
بقلم عبد الرحيم مفكير
يُعَد العلامة محمد المختار السوسي في طليعة الرعيل الأول من رجال الوطنية والفكر والثقافة بالمغرب في عهدَيِ الحماية والاستقلال، وقد أهَّله لشَغْل هذه المكانة فكرُه الإصلاحي المتجلي في أعماله العلمية، ونضاله الوطني من أجل الاستقلال وتنمية بلاده بالحفاظ على قيَمها العربية والإسلامية، وثوابتها الوطنية، وترسيخ سمات الشخصية المغربية الأصيلة المبدعة؛ فقد تعددت أفكاره وآراؤه؛ فقد انطلق من النضال الوطني إلى الإصلاح الاجتماعي، ومن التأليف التاريخي إلى الإبداع الأدبي، ومن التصنيف العلمي الشرعي إلى التربية والتعليم، وهذا الجانب الأخير هو الذي يُهمُّنا في هذه الشخصية السامية الفكر، ويتجلى إبداعه النَّيِّر وفكره الراقي في مجموعة من المؤلفات، منها: “مدارس سوس العتيقة، نظامها وأساتذتها”، وكتاب “سوس العالمة”، وكتابه: “المعسول” ، وغيرها من المؤلفات المتنوعة بين التربية والعلوم الشرعية، فقد أفاد وأجاد – رحمه الله – وتعِب في تأليف كتابه المعسول، الذي يدل عليه دلالةً واضحةً قوله أثناء رحلته من الحمراء إلى إلغ: “وبعد، فإنني وفَّيْتُ بما كنت وعدت به رفاقي في تقييد هذه الرحلة، فإن كان القارئ لا يرى فيها ما يراه في الرحلات، فلينتظر حتى يطالعه ما أمامه من الذيل الطويل الذي سيُكتَبُ فيه بحول الله ما لم يُجمَعْ قبلُ في كتاب”، ويقصد بالذيل الطويل كتابه: “المعسول”، الذي يُعتَبَر من أنفس الموسوعات في العصر الحديث، التي ألفها المجدد المختار السوسي، فهو عبارة عن خلاصة فكر وتجارِبِ ورحلات وقراءات للعلامة، فنحن أمام تاريخ ينبض، وأشخاص تتنفَّس، ومعالم تتحرك، فكان الكتابُ نعم الأنيس.
حكى العلامة المختار السوسي عن شيخه أبي شعيب الدكالي (شيخ السلفية الوطنية المغربية) أنه “حين زوج أحد أولاده، استدعى الناس من الآفاق، فحضرت في من حضر. وكان الزحام كبيرا، فآواني ولده سيدي عبد الرحمن إلى غرفة خالية أطالع فيها ما شاء الله. وكنت للزحام من الكارهين، ولكن حين مضت برهة من الليل، جاء من الإخوان من ألزمني الجلوس مع الناس، فجلست إلى إخوان في قبة، والعود يصدح برناته، والحبور يخفق بأجنحته. فكان الشيخ يمر على القباب، حتى وصل القبة التي جلسنا فيها، فقال: أأنتم هنا؟ وفي أي شيء تفيضون؟
فقلت له:-قد وجدتني مع هؤلاء الحضريين في مشادة, فإني لا أستحسن هذه الجلبة القائمة, وهذه الضوضاء التي تصك الآذان, وقصدي رنات المثاني والمثالث.
فجلس الشيخ إلي فقال
(بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لوفاة العلامة سيدي محمد المختار السوسي)
العلامة سيدي محمد المختار السوسي في سنوات
- مجريات حياة عالم -
إعداد: الحبيب الدرقاوي
خلال هذه السلسلة الرمضانية، سيغوص “برلمان.كوم” بقرائه في عالم شخصيات طبعت تاريخ المغرب المعاصر في مجالات متعددة، الفن والرياضة والفكر والسياسة والعمل الاجتماعي، بالإضافة إلى المال والأعمال.
“برلمان.كوم” وليقربكم أكثر منها، ارتأى تقديم بطاقة تقنية عن تلك الشخصيات مسلطا الضوء على حياتها وأهم أعمالها، والأحداث التي أدخلتها سجل التاريخ المغربي المعاصر من بابه الواسع.
في هذه الحلقة، سنقدم نبذة عن العلامة المرحوم المختار السوسي، الذي كان علما من أعلام الحركة الوطنية المغربية وعالما من علمائها الذين زاوجوا بين التحصيل العلمي ومحاربة الاستعمار ونشر الوعي بين صفوف المغاربة.
الميلاد والنشأة
ولد محمد المختار السوسي عام 1900 في قرية “إلغ” بمنطقة سوس الأقصى جنوب المغرب، ونشأ في أسرة عريقة ترسّخ فيها حب العلم والتصوف، وقد كان والده (الشيخ علي بن أحمد الإلغي) رئيس الزاوية الدرقاوية.
بقلم احمد ادالحاج

العلامة المغربي محمد المختار السوسي أحد أبرز رواد فكر النهضة في منتصف القرن العشرين بالمغرب، تنوعت إسهاماته بين فنون الأدب والشعر، وعلوم اللغة والفقه، والتصوف والتاريخ، وكان نشيطا في الدعوة إلى مقاومة المحتل، وقد جسّد نموذجا للجمع بين هوية أمازيغية -اهتم بإبراز مكوناتها وعناصرها الحضارية- وبين انتماء عربي أصيل، وهو الشاعر المبدع الذي نظم الشعر وبرع فيه، كما جاهد في سبيل الوطن ضد المستعمر الفرنسي، وبذلك استحق لقب » الوطني الغيور والمقاوم الصبور ».
ولد المختار السوسي عام 1900 في قرية « إلغ » بمنطقة سوس نواحي « تازروالت » شرق مدينة تزنيت، ونشأ في أسرة عريقة ترسّخ فيها حب العلم والتصوف، وقد كان والده (الشيخ علي بن أحمد الإلغي) رئيس الزاوية الدرقاوية.
عندما بلغ سن 15 ففي انتقل إلى منطقة إفران القريبة من قريته وتعلم على يد الشاعر الطاهر الإفراني الذي كان له بالغ الأثر في تكوينه العلمي، وفي 1918 انتقل إلى مدرسة في أحواز مدينة مراكش، وبعد ذلك بعام التحق بمدرسة ابن يوسف -إحدى أهم المراكز العلمية بمراكش والمغرب عموما- وفيها تعلم على يد شيوخ كبار.
انتقل إلى الرباط سنة 1347 وتلقى دروس العلم والتفسير على يد « شيخ الاسلام العلامة أبي شعيب الدكالي وثلة من علماء عصره، كما اطلع في الرباط على دروس علمائها السلفيين المجدين مثل المدني بن الحسني والشيخ محمد السائح كما اطلع على الأدب العربي القديم والحديث في نوادر مصادره وفي المجلات والمطبوعات المختلفة.
لم ينتظر محمد المختار السوسي كثيرا وانخرط في حركة النضال السياسي والثقافي الذي خاضته نخبة الوطنيين في مرحلة إقامته بمدينة فاس. وقال عن هذه المرحلة « في فاس استبدلت فكرا بفكر، فتكون لي مبدأ عصري -على آخر طراز- ارتكز على العلم والدين، والسنة القويمة، وكنت أصاحب كل المفكرين إذ ذاك وكانوا نخبة في العفة والعلم والدين، ينظرون إلى بعيد » (كتاب الإيلغيات).
عاد المختار السوسي إلى مراكش مرة أخرى تاركا تجربة الرباط وفاس المدينة الحمراء « مراكش » وأنشأ بها أول مدرسة حرة، وذلك لإيمانه بأن التعليم والتربية هما السبيل القويم لمحاربة الجهل والتخلف، ومحاربة الاستعمار ومناهجه التعليمية التي احتقرت عقيدة الأمة ومحو لغتها، واعتنى السوسي بالمواد المهملة في المقررات الرسمية التي أرساها الاحتلال الفرنسي، كاللغة العربية والقرآن والتاريخ المغربي، والسيرة النبوية، وفي النظام العتيق كالتفسير وعلوم الحديث والأدب .
وحرض المختار السوسي زملاءه على بناء مدارس حرة تتمرد على مقررات التعليم الاستعماري، ولم تتأخر سلطات الحماية في الانتباه إلى خطورة نهج السوسي فبادرت إلى نفيه عام 1937 إلى مسقط رأسه حيث قضى تسع سنوات بعيدا عن طلبته وزملائه.
وفي أكتوبر 1945 رفع عنه النفي فسارع بالعودة إلى مراكش واستأنف نشاطه التعليمي فضايقه المستعمر، فانتقل إلى الدار البيضاء غير أنه ما لبث أن ألقي عليه القبض عام 1952 ونفي من جديد إلى الصحراء الشرقية مع طائفة من زعماء الحركة الوطنية حيث قضوا نحو سنتين.
في 10 يوليو 1954 أُطلق سراح السوسي ضمن أجواء الانفراج التي مهدت لاستقلال المغرب عام 1956. وقد أسندت إليه وظائف رسمية رفيعة ذات طابع شرعي، لكنه ركز انطلاقا من 1960 على تصنيف وإعداد مؤلفاته الغزيرة للنشر في سباق مع الزمن.
بعد إطلاق سراحه، ومكافأة له على جهوده النضالية في سبيل تحرر المغرب، عينه الملك الراحل محمد الخامس وزيرا للأوقاف العمومية في أول حكومة مغربية وطنية، وذلك خلال 1375 هـ، ثم عين بعد ذلك عضوا في مجلس التاج سنة 1376هـ، وهي الوظيفة التي لازمها حتى وفاته، فضلا عن عضويته في لجنة مدونة الفقه الإسلامي، ثم قاضيا شرعيا للقصور الملكية.
وقد ألف المختار السوسي كتبا غزيرة ومتنوعة المضامين، تشكل مرجعا لا غنى عنه في البحث التاريخي والأدبي والفقهي في المغرب، فقد بحث في تاريخ منطقة سوس وأنجز تراجم لأعلامها، ونقّب في أسرار اللغة العربية وهو الأمازيغي المعتز بانتمائه، وكان رائدا في الشعر المغربي الكلاسيكي، وترجم نفائس من التراث العربي إلى الأمازيغية وكان من أعلام السلفية المجددة في العلوم الدينية.
توفي المختار السوسي سنة 1383 عقب مضاعفات ناتجة عن إصابته في حادثة سير وفي هذه المرحلة صرف جهده وهمته إلى إخراج مؤلفاته وكأنما كان يسابق الأجل، فخلف تراثا علميا كبيرا وغنيا، مخطوطا ومطبوعا، تعددت واجهاته بين الأدب والتاريخ والتربية والتعليم والفقه والتصوف.
مقال بمناسبة الذكرى 54 لوفاته
إسماعيل علالي

خَلَّفَ محمد المختار السوسي –رحمه الله- مؤلفات كثيرة ، أَوْصَلَهَا محمد خليل 1 إلى أربعة وسبعين مُؤَلَّفًا مابين مطبوع ومخطوط. وأغلبها يدل على تنوُّع معارف المختار السوسي وحَذَقِهِ في الفنون المختلفة، ويشهد بهذا دليل مؤلفاته 2 الذي يحتوي على مصنفات في التاريخ والأدب والنحو واللغة والفقه والتراجم والرحلات. وغيرها من الفنون التي تدل على ثراء علمي تميَّزت به شخصيته، لكنَّ مِمَّا يُلْفِتُ النظر أن أغلب الدراسات التي خصَّت تُراث المختار السوسي بالبحث والدراسة قد ركَّزت-في الغالب- على جانبين اثنين هما(الجانب التاريخي) و(الجانب الأدبي)، وبذلك بَقِيَتْ جوانب كثيرة من مدارِكه وإنتاجه العلمي مجهولة عند القراء، وفي حاجة إلى مزيد من الدراسة والتَّمحيص.
محمد المختار السوسي هو الوطني الغيور المقاوم الصبور الأستاذ العامل محمد المختار ابن علي بن أحمد السوسي الإلغي الدرقاوي الملقب برضا الله.
ولد في “إلغ” وهي قرية بناحية تازروالت في أقصى جنوب القطر السوسي بجنوب المغرب، وتبعد عن مدينة تيزنيت شرقا ب84كلم، وذلك في شهر صفر الخير عام 1318هـ ونشأ بها، وحين بلغ سن الإدراك اتجه إلى الدراسة الأولية لتعلم الكتابة والقراءة واستظهار كتاب الله العزيز على عدة معلمين، أولهم والدته السيدة رقية بنت محمد بن العربي الأدوزي، وختم ذلك سبع ختمات في مختتم عام 1328هـ
جهاد المختار السوسي ضد الاستعمار :
كان رحمه الله من الوطنيين الأحرار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، والذين قاموا بمساع حميدة مشكورة في سبيل الوطن العزيز والعمل على انعتاقه وفك أغلاله وقيوده من ربقة الاستعمار اللعين، فقد ساهم خلال إقامته في فاس في تأسيس بعض الجمعيات السياسية السرية، والمنتديات الأدبية، و واصل نضاله السياسي والوطني في مراكش مما أدى إلى اعتقاله. ولما أكرم الله تعالى المغرب الأقصى بحريته المنشودة عُين في أول حكومة مغربية وطنية وزيرا للأوقاف العمومية وذلك خلال عام 1375 هـ، ثم لما أسس مجلس التاج عين وزيرا عضوا فيه عام 1376هـ، و بقي متقلدا مهام تلك الوظيفة إلى أن توفي رحمه الله، كما أنه اشتغل عضوا في لجنة مدونة الفقه الإسلامي.
الا تلبي الكأس
بحر الأسبوع الماضي، زرت “دوكادير-إلغ” التابع إداريا للجماعة القروية “آيت وافقا”، حيث مسقط رأس العلامة “محمد المختار السوسي”، أحد أهرام الفكر وأساطين التاريخ وزعماء الوطن، ومبدع “سوس العالمة” ورائدها في العصر الحالي.