بحر الأسبوع الماضي، زرت “دوكادير-إلغ” التابع إداريا للجماعة القروية “آيت وافقا”، حيث مسقط رأس العلامة “محمد المختار السوسي”، أحد أهرام الفكر وأساطين التاريخ وزعماء الوطن، ومبدع “سوس العالمة” ورائدها في العصر الحالي.
ولست هنا في معرض سرد حياة الرجل وسيرته المليئة بالمناقب والنوادر، فهي موجودة في مظانها يرجع إليها، ولا في معرض مدحه نظير ما بذله من جهد علمي جبار في سبيلنا، فكتب الأعلام تحفظ ذلك، والتاريخ سجل ويسجل دوره الكبير في مجالات عدة.
إن ما أثار حفيظتي وأنا أقف للمرة الثانية على مشارف “منازل محمد المختار السوسي” التي شهدت نبوغ الرجل وصرخته الأولى في سبيل المجد هو تلك الأطلال المهملة في واحدة من السيناريوهات المؤلمة لذاكرتنا الجماعية.
كما أدخلت بعض التغييرات على لون بعض المنازل وشكلها مؤخرا، وهي غير موفقة في إبراز العنصر التراثي لذلك المجال كله، رغم أن صاحبها قد يكون أمل خيرا من ورائها في غياب آليات تنظيمية مدروسة.
رحل المختار السوسي وترك ل”سوس العالمة” عزا وفخرا وريادة وسمعة، فمن غير المعقول أن نترك إرثه يضيع بين براثن اللامبالاة، ومن العبث أن نهمل ذاكرته ونحاول وأدها عن قصد أو غيره.
إن الأمم والمجتمعات التي تحترم نفسها تحفظ للعظماء تاريخهم، وتسعى جاهدة لرد قليل من الدين الذي يقع على عاتقها يوم تشيعهم نحو باطن الأرض.
فحين نتكلم عن الشاعر والأديب الروسي “بوشكين” مثلا، نكون بصدد شخصية صنعت له مائتا تمثال عبر (48) دولة بما في ذلك المغرب، وهو رقم قياسي يوجد وراءه اهتمام كبير من طرف أمته التي خدمها وسهر الليالي في سبيل رقيها ومجدها. وعلى غراره غالبية المفكرين الذين بصموا تاريخ الدول والمجتمعات والأمم التي تحترم تاريخها وعقولها…
قد يقول قائل، ما العمل اتجاه هذا الواقع المؤسف ل”منازل محمد المختار السوسي”؟
أولا: ينبغي على أفراد عائلة “محمد المختار السوسي” الصغيرة والكبيرة أن يستشعروا موقعهم الكبير من هذا الوضع، ودورهم في الحفاظ على إرثه، والذود عن سمعته وتاريخه، ويلزمهم تبعا لذلك أن يطرقوا أبواب المؤسسات المحلية والوطنية في سبيل توطين اسم الرجل، ونشر أعماله -وهو أمر يحمد عليه بعضهم-، وحفظ مآثره عبر الترميم والعناية والاهتمام الدائم.
ثانيا: على الجمعيات المدنية ذات الاهتمام الثقافي والتاريخي أن تضطلع بأدوارها -وفي مقدمتها تلك التي تحمل اسمه-، عبر تكثيف الزيارات والخرجات العلمية إلى “منازل المختار السوسي” لصلة الرحم وتجديد الروابط، والوفاء بالعهد، والاستمرار في تنظيم تظاهرات وندوات فكرية ولقاءات دراسية منتظمة يبرمج إثرها الوقوف على مآثر الرجل بالإضافة إلى الاشتغال على تطوير الموسم الديني السنوي بما يخدم الأهداف المنتظرة .
كما يجب عليها أن تترافع في سبيل جعل هذا الموقع تراثا وطنيا ولم لا إنسانيا حتى ينال ما يكفي من الاهتمام المستحق.
ثالثا: على المجالس المنتخبة، وفي مقدمتها: “المجلس الجماعي آيت وافقا” و”المجلس الإقليمي-تيزنيت”، أن تعي دورها الترافعي والتنموي في سبيل ترميم “منازل محمد المختار السوسي” دون أدنى تردد، وإصلاح بقية الطريق المؤدية إليها، وبرمجة كل ما من شأنه أن يعود بالنفع على المنطقة بما يحفظ ذاكرة الرجل ويصون كرامة المكان الذي احتضنه.
إن واقع ذاكرتنا يندى له الجبين في بعض جوانبها، ذلك أن هذه القاعدة تكاد تكون عامة في الوطن أجمع، لكن هذا لا يمنع أبدا من توجيه هذا النداء حول “منازل محمد المختار السوسي” تحديدا، فربما لقي آذانا صاغية في زمن يسهل فيه فقد الذاكرة.
بقلم أحمد إضصالح