إن المطالع لكتاب “سوس العالمة” للعلامة الأديب المبدع الأستاذ محمد المختارالسوسي رحمه الله يقف على مدى الجهد الذي بذله هذا البحاثة من أجل بيان حرص هذا الربع من ربوع المغرب على خدمة اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية بتفان وإتقان.
عندما أرخ محمد المختارالسوسي لسوس العالمة، كان يضع لبنة أخرى في صرح خدمته المشرفة للغة الضاد وللثقافة العربية الإسلامية، حيث أفنى عمره في سبيل هذه الغاية، وعيا منه بمكائد الاستعماروبضرورة الحفاظ على الوحدة وإحياء التراث المغربي بتنوعه العظيم.
لقد ساهم إقليم سوس مساهمة فعالة في إشادة صرح الحضارة العربية الإسلامية، وقدم خدمات جليلة للغة العربية، بمساجده ومدارسه وعلمائه وزواياه، على مدى قرون عديدة.
في القسم الثاني من هذا الكتاب تحدث المؤلف رحمه الله عن العلوم العربية والدينية التي كانت متداولة في إقليم سوس، والتي أحصاها فبلغت واحدا وعشرين علما هي القراءات والتفسيروالحديث والسيرة وعلوم الحديث والنحووالصرف واللغة والبيان والأصول وعلم الكلام والفقه والفرائض والحساب والهيأة والمنطق والعروض والطب والأسانيد والجداول والأدب.
وبهذا ساهم هذا الإقليم في خدمة اللغة العربية متنا وعلوما وإبداعا أدبيا.
ويقدم المختارالسوسي في القسم الثالث إحصاء للأسرالعلمية السوسية مكتفيا بذكرمائة وسبع وخمسين أسرة، وقد فصل القول في الموضوع في كتاب آخرهو”رجالات العلم العربي بسوس”. بالإضافة إلى كتابه الشهير”المعسول” وما اشتمل عليه من تراجم .
وفي القسم الرابع إحصاء للمدارس العلمية العتيقة في سوس، بينما خصص القسم الخامس للخزانات العلمية، وأفرد القسم السادس للمؤلفين السوسيين.
إن هذه العناية الكبيرة لأهل سوس باللغة العربية وبالثقافة العربية الإسلامية تدحض أطاريح أولئك الذين يشعلون نيران النعرات ويدعون إلى تاريخ يتخيلونه على مقاس طموحاتهم وأوهامهم الإيديولوجية والسياسية، فاصلين، في وهمهم، بين مكونات هوية واحدة وعرى شعب لايقبل التمزق والتشرذم والتفكك والانشطار.
لقد كان وعي الأمازيغي والعربي معا قويا بوحدة الجذورالإسلامية ووحدة الأهداف السامية التي كانا يحققانها، والدليل هذا التراث الغني الذي احتلت فيه اللغة العربية بيت القصيد وأداة الإبداع وحافزالتجديد والتنوع وإشراق الثقافة المغربية عبرالعصور.
نشر في العلم يوم 28 – 11 – 2014