العلامة المغربي محمد المختار السوسي أحد أبرز رواد فكر النهضة في منتصف القرن العشرين بالمغرب، تنوعت إسهاماته بين فنون الأدب والشعر، وعلوم اللغة والفقه، والتصوف والتاريخ، وكان نشيطا في الدعوة إلى مقاومة المحتل، وقد جسّد نموذجا للجمع بين هوية أمازيغية -اهتم بإبراز مكوناتها وعناصرها الحضارية- وبين انتماء عربي أصيل، وهو الشاعر المبدع الذي نظم الشعر وبرع فيه، كما جاهد في سبيل الوطن ضد المستعمر الفرنسي، وبذلك استحق لقب » الوطني الغيور والمقاوم الصبور ».
ولد المختار السوسي عام 1900 في قرية « إلغ » بمنطقة سوس نواحي « تازروالت » شرق مدينة تزنيت، ونشأ في أسرة عريقة ترسّخ فيها حب العلم والتصوف، وقد كان والده (الشيخ علي بن أحمد الإلغي) رئيس الزاوية الدرقاوية.
عندما بلغ سن 15 ففي انتقل إلى منطقة إفران القريبة من قريته وتعلم على يد الشاعر الطاهر الإفراني الذي كان له بالغ الأثر في تكوينه العلمي، وفي 1918 انتقل إلى مدرسة في أحواز مدينة مراكش، وبعد ذلك بعام التحق بمدرسة ابن يوسف -إحدى أهم المراكز العلمية بمراكش والمغرب عموما- وفيها تعلم على يد شيوخ كبار.
انتقل إلى الرباط سنة 1347 وتلقى دروس العلم والتفسير على يد « شيخ الاسلام العلامة أبي شعيب الدكالي وثلة من علماء عصره، كما اطلع في الرباط على دروس علمائها السلفيين المجدين مثل المدني بن الحسني والشيخ محمد السائح كما اطلع على الأدب العربي القديم والحديث في نوادر مصادره وفي المجلات والمطبوعات المختلفة.
لم ينتظر محمد المختار السوسي كثيرا وانخرط في حركة النضال السياسي والثقافي الذي خاضته نخبة الوطنيين في مرحلة إقامته بمدينة فاس. وقال عن هذه المرحلة « في فاس استبدلت فكرا بفكر، فتكون لي مبدأ عصري -على آخر طراز- ارتكز على العلم والدين، والسنة القويمة، وكنت أصاحب كل المفكرين إذ ذاك وكانوا نخبة في العفة والعلم والدين، ينظرون إلى بعيد » (كتاب الإيلغيات).
عاد المختار السوسي إلى مراكش مرة أخرى تاركا تجربة الرباط وفاس المدينة الحمراء « مراكش » وأنشأ بها أول مدرسة حرة، وذلك لإيمانه بأن التعليم والتربية هما السبيل القويم لمحاربة الجهل والتخلف، ومحاربة الاستعمار ومناهجه التعليمية التي احتقرت عقيدة الأمة ومحو لغتها، واعتنى السوسي بالمواد المهملة في المقررات الرسمية التي أرساها الاحتلال الفرنسي، كاللغة العربية والقرآن والتاريخ المغربي، والسيرة النبوية، وفي النظام العتيق كالتفسير وعلوم الحديث والأدب .
وحرض المختار السوسي زملاءه على بناء مدارس حرة تتمرد على مقررات التعليم الاستعماري، ولم تتأخر سلطات الحماية في الانتباه إلى خطورة نهج السوسي فبادرت إلى نفيه عام 1937 إلى مسقط رأسه حيث قضى تسع سنوات بعيدا عن طلبته وزملائه.
وفي أكتوبر 1945 رفع عنه النفي فسارع بالعودة إلى مراكش واستأنف نشاطه التعليمي فضايقه المستعمر، فانتقل إلى الدار البيضاء غير أنه ما لبث أن ألقي عليه القبض عام 1952 ونفي من جديد إلى الصحراء الشرقية مع طائفة من زعماء الحركة الوطنية حيث قضوا نحو سنتين.
في 10 يوليو 1954 أُطلق سراح السوسي ضمن أجواء الانفراج التي مهدت لاستقلال المغرب عام 1956. وقد أسندت إليه وظائف رسمية رفيعة ذات طابع شرعي، لكنه ركز انطلاقا من 1960 على تصنيف وإعداد مؤلفاته الغزيرة للنشر في سباق مع الزمن.
بعد إطلاق سراحه، ومكافأة له على جهوده النضالية في سبيل تحرر المغرب، عينه الملك الراحل محمد الخامس وزيرا للأوقاف العمومية في أول حكومة مغربية وطنية، وذلك خلال 1375 هـ، ثم عين بعد ذلك عضوا في مجلس التاج سنة 1376هـ، وهي الوظيفة التي لازمها حتى وفاته، فضلا عن عضويته في لجنة مدونة الفقه الإسلامي، ثم قاضيا شرعيا للقصور الملكية.
وقد ألف المختار السوسي كتبا غزيرة ومتنوعة المضامين، تشكل مرجعا لا غنى عنه في البحث التاريخي والأدبي والفقهي في المغرب، فقد بحث في تاريخ منطقة سوس وأنجز تراجم لأعلامها، ونقّب في أسرار اللغة العربية وهو الأمازيغي المعتز بانتمائه، وكان رائدا في الشعر المغربي الكلاسيكي، وترجم نفائس من التراث العربي إلى الأمازيغية وكان من أعلام السلفية المجددة في العلوم الدينية.
توفي المختار السوسي سنة 1383 عقب مضاعفات ناتجة عن إصابته في حادثة سير وفي هذه المرحلة صرف جهده وهمته إلى إخراج مؤلفاته وكأنما كان يسابق الأجل، فخلف تراثا علميا كبيرا وغنيا، مخطوطا ومطبوعا، تعددت واجهاته بين الأدب والتاريخ والتربية والتعليم والفقه والتصوف.