بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وآله وصحبه، ومن سار على هديه واستمسك بنوره من التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإني أحمد الله الكريم حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه أن هيأ لي، بفضله ومنه، المثولَ بين يدي هذه اللجنة العلمية الكريمة المكونة من ثلة من الأساتذة الأفاضل المتمكنين، والباحثين الأماثل المقتدرين ممن تمرسوا في البحث العلمي الأكاديمي الرصين، وأسهموا في إرساء دعائمه بالجامعة المغربية في كل من أكادير و الدار البيضاء، للنظر في هذا البحث وتقويمه وتصحيح ما فيه من هنات، وفق المعهود في أساتذتي الأكارم من الغيرة العلمية الصادقة و الحرص النبيل على إفادة طلبتهم.
وإن من محاسن الصدف أن تتزامن مناقشة هذا البحث مع الذكرى الخمسينية لوفاة النقادة محمد المختار السوسي، التي وافقت بدايتها السابع عشر نونبر من هذا العام. فتكون بذلك مناسبة للترحم على هذه الشخصية العلمية المتميزة ولتجديد العهد العلمي معها بمواصلة الجهود لإبقاء راية العلم الرصين عالية خفاقة في ربوع وطننا الحبيب عامة وفي منطقة سوس على وجه الخصوص.
وإني إذ أعبر لأعضاء لجنة المناقشة عن سعادتي البالغة بتشرفي بحضورهم، أشكر لهم واحدا واحدا حرصهم على قراءة هذا البحث وتمحيصِه، وتكرمَهم بتشريفي وتشريف البحث العلمي بكليتنا العامرة بحضورهم بيننا ناقدين ناصحين، كما أنوه سلفا بتفضلهم بإخلاص النصيحة العلمية لأمثالي من الباحثين المبتدئين المتعطشين لإرشادات أساتذتنا الكرام، جزاهم الله خير الجزاء ونفعنا جميعا بعلمهم وجعلنا في مستوى تطلعاتهم.
كما لا يفوتني أن أرحب بكل الحاضرين من أساتذتي الأفاضل وأبناء النقادة السوسي وأقاربه ومحبيه، وسائر الحاضرين.
وأستأذنكم جميعا في أن أعرض أمام حضراتكم تقريرا، عن البحث المعروض للمناقشة في ثمان عناوين.
1- موضوع البحث:
يدور موضوع هذا البحث حول التعريف بالتجربة النقدية للنقادة محمد المختار السوسي، على المستويين التنظيري والتطبيقي، و بيان مختلف الأسس الفكرية التي قامت عليها، ومكنته من تكوين رؤية فكرية إصلاحية وطنية مستنيرة، وجهت عملَه النقدي في تقويم الأدب والأدباء، وجعلته قطعة فسيفساء جميلةً إلى جانب قطع أخرى ضمن لوحة عمل السوسي الوطني التي يتناغم فيها النقد الأدبي مع التأريخ لمكونات الحضارة المغربية في منطقة سوس، ومع جهوده في بعث التراث المغربي السوسي المخطوط بالتنقيب عنه ونسخه وتحقيقه ونشره، ومع عمله في نشرِ التعليم الديني الوطني بين صفوف الشعب المغربي وتوعيتِه بخطورة المرحلة التي يعيشها بلده، وبجهود المحتلين لمحو معالم الهوية الوطنية المغربية، وذلك من خلال الدروس الوعظية التي كان يقدمها في المساجد وعلى أمواج الإذاعة الوطنية باللسانين العربي والأمازيغي السوسي (الشلحي). ومن هذا المنطلق عمل النقادة السوسي على إعادة ثقة المغاربة بطاقاتهم الإبداعية عامة، وبقدراتهم الأدبية الناطقة بلغة الضاد على وجه الخصوص، فنوّه بما أجادوا فيه، وقوّم ما كبت فيه أفراسهم، ، غيرةً منه على الأدب المغربي العربي المعبِّر عن القيم المغربية الإسلامية الأصيلة، وعن تعلق المغاربة جميعا عربا و أمازيغ بالدين الإسلامي وبلغة القرآن حتى صاروا لها متقنين، وفي آدابها مبدعين.
2- أسباب اختيار الموضوع:
استقر اختياري على اتخاذ النقد عند محمد المختارالسوسي موضوعا لبحثي، لأسبابٍ عديدةٍ أهمها:
-إعجابي بشخصيته العلمية التي اجتمع فيها ما تفرق في غيره، علما وخلقا وتدينا ووطنية و اعتزازا بهويته الحضارية وحرصا على خدمة وطنه والتضحية في سبيله.
-رغبتي في إماطة اللثام- بقدر الوسع- عن تجربة السوسي النقدية بوصفها إحدى أهم واجهات شخصيته العلمية الفريدة ،ببيان إسهامه في بناء النقد الأدبي المغربي الحديث على قواعد أصيلةٍ مؤسسة على رؤية إصلاحية عميقة تقوم على الاعتزاز بالإبداع المغربي والإيمانِ الصادق بأحقيته بالنقد والتقويم. حتى نتمكن من رسم صورة واضحة وشاملة لهذا العلَم الجليل الذي قدم بعلمه ووطنيته وخُلُقِه، مثالا للعالِم المغربي الموسوعي الثقافة، وللوطني الغيور المتفاني في الدفاع عن حمى دينه ووطنه وملكه وشعبه.
– رغبتي في تأدية بعض الواجب تجاه هذه الشخصية العلمية الفذّة، التي قدمت للعلم العربي الأصيل بالمغرب خِدْمات جليلةً، وذلك ببسط القول في مكونات عملها في النقد الأدبي وبيان نظرتها لفن تقويم الإبداع، وتوضيح طريقتها في تنزيل تصوراتها النقدية على الأدب والأدباء.
– حاجتنا اليوم إلى التعرف على تراثنا الفكري المغربي، في جميع المجالات وفي مجال النقد الأدبي خاصة، لنستمد منه الأسس التي وجهت تعبيرنا الأدبي الجمالي باللغة العربية، وبلغت بأدبنا مستوى عاليا، ولنستمد منه أيضا القوة والثقة اللازمتين لمواجهة تحديات العولمة الجارفة، بتكوين وعي عميق بخصوصية الذات المغربية ، وفرادَتها وقدرتها، حتى نحافظ على تميزنا الثقافي واللغوي و الفكري و الحضاري، و نتمكن من الثبات أمام التيارات الفكرية و الثقافية الوافدة علينا.
– تطلعي إلى تصحيح نظرتنا إلى النقد الأدبي المغربي الحديث بإعادة تقويمه في ضوء جديد عمل المختار السوسي النقدي، ذلك أن التوصّل إلى حقيقة نقدنا المغربي في عهد الاحتلال وبداية الاستقلال، لا يستقيم إلا بدراسة مجموع أعمال النقاد المغاربة في تلك المرحلة.
3- أهداف البحث:
سعيت باشتغالي بهذا الموضوع إلى تحقيق نوعين من الأهداف: أولهما قريب، يتلخص في:
– جمعِ شتات التجربة النقدية لمحمد المختار السوسي، وترتيب عناصرها لتقديمها إلى المعتنين بالنقد المغربي الحديث.
– والمشاركةِ في المشروع الثقافي الهام الذي أسهم فيه عدد من الباحثين، وهو التعريف بالعلامة محمد المختار السوسي أحدِ أعمدة الفكر و العلم الرصين بالمغرب في مرحلة الاحتلال و بداية الاستقلال، وبكافة أوجه عطائه العلمي و إسهامه الفكري و الثقافي في إغناء المكتبة المغربية بمؤلفاته العديدة المتنوعة، وفي الدفاع عن المقومات الحضارية الدينية والفكرية والوطنية للشخصية المغربية الأصيلة.وقد صدق من قال:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام رباح
– إثباتِ صدور السوسي في عمله النقدي عن رؤية فكرية إصلاحية شاملة وواضحة، وعن نظرية نقدية متكاملة للأدب بدءا بالعوامل المساعدة على التمكّن فيه، مرورا بشروط جودة النص الأدبي وانتهاء بتلقّيه، ثم بنقده وتقويمه، عبّر عن بعض هذه الأمور صراحة وطبّق البعض الآخر في نقداته التطبيقية.
أما ثاني هذه الأهداف فبعيد، يتمثل في وضع تجربة السوسي النقدية بين أيدي الباحثين لتمكينهم من إعادة تقويم تراثنا النقدي المغربي الحديث، في ضوء جديد العمل النقدي لمحمد المختار السوسي ولمعاصريه بعد الكشف عنها جميعها.
4 منهج البحث:
لاشك أن لكل موضوع بحث منهجا خاصا به، تمليه طبيعة الموضوع من جهة، وتصورات الباحث عن كيفية دراسته من جهة أخرى، ولهذا اعتمدت في جمع مادة بحثي ودراستها على الآليات المنهجية المناسبة لكل مرحلة من مراحل عملي فيه، فاستندت إلى:
– الاستقراء:
– والتصنيف:
– والتحليل:
– والوصف:
– والاستنباط التركيبي:
– إلى جانب بعض آليات من المنهج النفسي ساعدتني في سبر أغوار الشخصية النقدية لصاحب هذه التجربة.
– كما حرَصت، كما وجهني إلى ذلك أستاذي الفاضل الدكتور اليزيد الراضي ،على الاتصال المباشر مع فكر النقادة السوسي وتصوراته التقويمية بقراءة مؤلفاته، قبل مطالعة الدراسات والأبحاث التي اتخذت من شخصيته العلمية موضوعا لها ،حتى لا أتأثر في دراستي لعمله النقدي بآراء الآخرين، فأظل متتبعة لها مقتفية آثارها، ولهذا أرجأت الاطلاع على ما كتب عن السوسي إلى أن أنهيت تكوين فهمي الخاص للموضوع. وللسبب ذاته أخرت قراءة مقالة” في النقد والأدب” إلى حين إنهاء تجميع نظراته النقدية وتصنيفها ودراستها ،حتى أكوّن انطباعيَ الخاصَّ عن عمل السوسي النقدي أسسِه وآلياته ومنهجه ومقاييسه وما إلى ذلك.
4- خطة البحث:
بسطت القول في التجربة النقدية التنظيرية والتطبيقية للنقادة محمد المختار السوسي، من خلال المحاور التالية:
– مدخل: للتعريف بواقع النقد الأدبي المغربي في النصف الأول من القرن العشرين، منذ بوادره الأولى إلى استقلاله عن الكتابة التاريخية، و عرض بعض مظاهر الممارسة النقدية بالمغرب،
– الباب الأول: مخصص- من خلال ثلاثة فصول- للتعريف بالسوسي وبإنتاجه العلمي ذي الصلة الوثقى بموضوع البحث، وبالروافد التي شكلت الثقافة النقدية عند السوسي وقد اختزلتها في رافدين أساسيين هما: الأدب والنقد، قبل بسط الكلام في الأسس الفكرية الثلاثة: التاريخية واللغوية والإصلاحية التي بنى عليها النقادة محمد المختار السوسي نقده الأدبي .
– الباب الثاني: مخصص – في ثلاثة فصول –لعرض أبرز المفاهيم النقدية التي توسل بها السوسي في تقويمه للأدب وللنقد الأدبي، وهي: الأدب والشعر والنثر، والأديب والشاعر، والنقد والناقد والبيئة.
– الباب الثالث: عمدت فيه – من خلال ثلاثة فصول- إلى تسليط الضوء على أسس النقد التطبيقي عند السوسي مقاييسه وآلياته ومنهجه، وعلى موضوعات نقده التطبيقي المتمثلة في: النص الأدبي ومبدعِه فضلا عن بعض الظواهر الأدبية والقضايا النقدية، وعلى أنواع النقد التطبيقي عند السوسي وأهم خصائص لغته النقدية وأحكامه التقويمية.
– خاتمة: ضمنتها أهم الخلاصات والاستنتاجات التي توصلت إليها حول طبيعة وقيمة التجربة النقدية للسوسي، وأهميتها في مسار النقد الأدبي المغربي الحديث.
– ملحق وفهارس: يتضمن الملحق مقالة السوسي المنشورةَ بمجلة رسالة المغرب في أربع حلقات بعنوان” في النقد والأدب”، أما الفهارس فتشمل إلى جانب فهرس موضوعات البحث ومصادره ومراجعه، فهارس أخرى خاصةً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأعلام البشرية والمكانية والأشعار ، وذلك لتيسير البحث في هذا العمل.
5- صعوبات البحث:
إن أكثر ما يعطي البحث في أي موضوع طعما خاصا، ويجعل اقتحام غماره مغامرة طريفة ممتعة، هو وجود بعض العقبات التي يسعى الباحث- وهو يشق طريقه في الدراسة و التحليل- إلى تجاوزها و إيجاد الطرق الكفيلة بتنحيتها عن طريقه. ولا شك أنه ما من باحث إلا عانى وهو بصدد إنجاز بحثه من صعوبات، وكذلك كان الأمر بالنسبة لي، فقد واجهتُ وأنا أشتغل بهذا الموضوع، عقبات وتحديات عديدةً في مقدمتها:
– كثرةُ مؤلفات السوسي و تنوعها بين مطبوع و مخطوط، كثرةً أطالت مدة جمع المادة النقدية عند السوسي لتفرّقها في كتبه. فنقدات السوسي جزء من نسيج الكتابة التاريخية لديه، ولذلك احتجت إلى تتبع كل ما وصلَت إليه يداي من نتاجه العلمي و إبداعه الفكري مما له علاقة مباشرة بالأدب ونقده كلمة كلمة،للوصول إلى آرائه النقدية المبثوثة في تضاعيف 38 سفرا موزعة على الشكل التالي:
- المعسول بأجزائه العشرين.
- الإلغيات ذي الأجزاء الثلاثة.
- خلال جزولة في أربعة أجزاء.
- معتقل الصحراء بجزأيه.
- سوس العالمة.
- مترعات الكؤوس (المحقق والمخطوط).
- رجالات العلم العربي في سوس.
- مقالة” في النقد و الأدب”.
- الرسالتان البونعمانية والشوقية.
- إيليغ قديما و حديثا.
- ذكريات.
- نضائد الديباج في المراسلات بين المختار و القباج(مخطوط).
- مشيخة الإلغيين من الحضريين.
ولم يكن يهوّن عليّ طول مدة جمع الشواهد النقدية عند النقادة السوسي إلا جمالُ أسلوبه وطلاوته، ودقة تصويره وروعته، ووفرة معلوماته وتنوعها.
– صعوبة الوصول إلى كثير من المقالات والدراسات النقدية لعدد من أعلام النقد المغربي المعاصرين لمحمد المختار السوسي، المنشورة بالجرائد والمجلات التي كانت تصدر في عهد الحماية، إذ إن غالبَها اليوم في حكم المفقود.
– الطابع الموسوعي لثقافة محمد المختار السوسي الذي يجعل النقد الأدبي عنده متداخلا مع التاريخ والأنثروبولوجيا وتاريخ الأفكار وعلم الاجتماع والفكر الإسلامي والإثنوغرافيا.. وغيرها من المجالات المعرفية، مما يستدعي من الباحث في النقد الأدبي عند السوسي، الاحاطةَ بتصورات العلامة السوسي العامة للتاريخ ومنهج كتابته، لأن النقد الأدبي عند السوسي هو إحدى آليات كتابته التاريخية التي تجعل السوسيَ ينتقد وينخل ما يصل إليه من موادَّ وأخبارٍ وكتابات،فيقبل ويرد ويناقش ويرجّح لمساعدة القارئ على إحسان تقويم ما يقرأه فلا يغتر بالأحاديث المكذوبة أو الآثار المنحولة وغيرها. وقد تطلب مني فهمُ التصور الشامل الذي يؤطر كتابات السوسي على اختلافها، والتنبهُ إلى الخيط الناظم لجميع أشكال العطاء الفكري والتاريخي واللغوي والنقدي وغيرها للنقادة السوسي وقتا طويلا، كنت فيه طيلة شهور عديدة كأنني أمام طريق مظلم لا أكاد أتبين حدوده إلا بشق الأنفس، ثم صارت الغشاوة تنقشع عن عينيّ شيئا فشيئا، كلما أمعنت في قراءة مؤلفات السوسي و الوصول إلى نقداته، وهو ما جعلني أوقن أن السوسيَ كان من الطبقة العالية في النقد الأدبي في عصره ،ولا أظنني أبالغ إن قلت إنه كان في طليعتها .
6-خلاصات واستنتاجات:
إن أكثر ما خلصت إليه بعد الفراغ من دراسة النقد الأدبي عند النقادة السوسي هو ما يلي:
—غنى وأهمية التجربة النقدية لمحمد المختار السوسي بالنسبة للنقد الأدبي المغربي الحديث، بالنظرإلى الرؤية الإصلاحية العميقة التي تتوي وراءها، والتي وسمت عموم العمل النقدي للنقادة محمد المختار السوسي بالعلمية والرصانة، وجعلته يتجاوز بمراحل كثيرة، التجارب النقدية لمعاصريه كمّا وكيفا.
— قيمةُ عمل السوسي النقدي وأهميته ناتج عن اجتماع أربعة عوامل أساسية هي:1- النضج العلمي والفكري والسمو الخلقي للناقد القائم بها:
2-عمق تنظير محمد المختار السوسي للأدب المغربي العربي ونقده:
3- ثراء العمل النقدي التطبيقي لمحمد المختار السوسي: ثراء تنطق به نظراته النقدية الغزيرة التي تقدر بالمئات، والتي تناولت بالفحص والتحليل والتقويم قطبي العمل الأدبي وهما النص الأدبي ومبدعُه..
4- .انسجام التصور النظري للأدب ونقده عند السوسي، مع عمله النقدي التطبيقي وتكاملُهما، بحيث يدعم كل واحد منهما الآخر ويؤيده. فلم يقع السوسي في ما وقع فيه كثير من النقاد العرب في عصره أو بعده من عدم الوفاء لتصوراتهم النظرية أثناء تطبيقها على النصوص .
كما أوقفني التأمل في العمل النقدي التطبيقي عند النقادة السوسي على استناده على عدة مقاييسَ نقديةٍ و توسلِه بجملة آليات، و اعتماده في نقد النصوص منهجا مفتوحا يستقي آلياته المنهجية من مختلف المناهج النقدية المعروفة، التاريخي والنفسي والاجتماعي واللغوي والفني وغيرها، بحسب ما يستدعيه كل نص ويحتاجه. ومن هذا المنطلق، تميز المنهج النقدي عند السوسي بالتكامل والشمولية والإنصاف.
وبذلك اتسم نقد السوسي التطبيقي بالكثرة والتنوع فجمع بين النقد العلمي المبني على القواعد والقوانين اللغوية والبلاغية والعروضية التي لا يختلف حولها اثنان، والنقد الانطباعي ، والنقد الإخواني ، والنقد التواضعي .كما تميزت لغته النقدية بثلاث خصائص أولا: التنوع، إذ شملت اللغة العلمية الدقيقة والمباشرة، واللغة الذوقية الانطباعية التي تعتمد المجاز والمحسنات البديعية. ثانيا: المراوحة بين التصريح بالأحكام وبين التلميح إليها، ثالثا: استلهام مصطلحات نقدية عربية قديمة من قبيل: الفحل والمُجَلِّي والسُّكَيْت والبازِل القِنْعَاس وغيرها.
ومن هذا المنطلق توّج السوسي نظره في النصوص الأدبية بأحكام نقدية تتراوح بين أحكام أولية جزئية، وأخرى مسمّطة نهائية، بالنظر إلى كم الآثار التي بُنيت عليها، كما تتراوح بين كونها صريحة ومباشرة وكونها مضمرة وغير مباشرة. وقد توسل السوسي في التعبير عن أحكامه النقدية بطرائق مختلفة تشمل تقويم المنقود بعد تأمله وإعمال النظر فيه، والنظر في نقدات الآخرين إما بتأييدها أو نقضها، مع إعراضه عن إصدار الحكم النقدي في بعض الحالات إما بسبب تواضعه أو اتقاء الحرج عندما يتعلق الأمر بنقد آثار بعض أصدقائه.
وخلاصة القول، إن محمد المختار السوسي، أطلّ علينا في تجربته النقدية التنظيرية والتطبيقية على حد سواء، في صورة الناقد المغربي المقتدر، الذي جمع إلى طول الباع العلمي وسعة الثقافة والخبرة الكبيرة في الإبداع الأدبي بشقيه الشعري والنثري، أخلاقَ النقدة المتمكنين الذين يتخذون النقد رسالة دينية ووطنية وثقافية يدينون فيها بالنصح للأدباء المغاربة، ويأخذون بيدهم بحنوٍّ وعلمية، فيصفق لهم إذا أجادوا وينبههم إذا كبوا وسقطت قسيّهم دون المدى، بلغة رصينة لا مكان فيها للثلب والتنقيص والتجريح . فكان النقادة السوسي لهذه الأمور كلِّها موفقا أيما توفيق في عمله النقدي في التنظير والتطبيق معا، وفي بناء رؤيته النقدية المتكاملة للنظر في الأدب والأدباء وتقويمهم بعلمية وموضوعية وهو ما فاق به كثيرا من معاصريه أمثال محمد بن العباس القباج، فقد تجاوزه بمراحل كثيرة رغم جهود القباج التي لا تنكر في جعل النقد مأنوسا في الأوساط الأدبية المغربية في ثلاثينات القرن العشرين.
7- شكر وامتنان:
لم يكن لهذا العمل أن يجيء على هذه الصورة التي هو عليها، لولا مساندة و مساعدة أناس كثيرين، مدوا لي يد العون والمساعدة، و أرشدوني بعلمهم الواسع في مجال اللغة أو المنهج أو التصور وغمروني بدعمهم المعنوي وتشجيعهم، وهيأوا لي الأجواء الملائمة للعمل في هذا البحث، ولذلك أستغل هذه المناسبة لأعبر لكل من أعانني بالقليل أو الكثير من قريب أو بعيد عن عظيم شكري وعميق امتناني ، وأخص منهم بالذكر:
– سيادةَ عميد كليتنا العزيزة الدكتورأحمد صابر،الذي دأب على دعم البحث العلمي في الكلية، والحرص على توفير الظروف الملائمة له، كمَا كان حضورُه الدائمُ لأعمال الدورات التكوينية لوحدة التكوين و البحث التي أنتمي إليها، و كلماتُه التشجيعيةُ حافزا قويا لنا جميعا معشرَ الطلبة على المضيِّ في طريق البحث و الصّبر على صعوباته.
-أستاذي الفاضل الدكتور محمد الحاتمي، الذي شرفني بإشرافه على هذا البحث ، فلم يذخر جهدا في نصحي وتصحيح أخطائي و إقالة عثراتي طيلة مراحل إنجازه، فكانت إرشاداته نبراسا يضيء دروب هذا البحث ويذلل الصعاب التي واجهتني.
-أستاذي الفاضل ووالدي الكريم الدكتور اليزيد الراضي الذي أفخر بالانتساب إليه والتلمذة على يديه، إذ إليه يرجع الفضل بعد الله عز وجل في تحبيب البحث العلمي إلي ، وفي تقدير العلامة محمد المختار السوسي و الاعتراف بفضله على الثقافة السوسية خاصة والمغربية عامة. كما أنه- حفظه الله- لم يبخل عليّ منذ استشرته في هذا الموضوع بتشجيعه ونصحه وتوجيهه ومتابعته لعملي فيه في كل أطواره، ، كما ساعدني بخبرته في فهم تصور العلامة النقّادة المؤرخ المصلح محمد المختار السوسي، وفي قراءة ما استغلق عليّ من بعض مخطوطات مؤلفاته، كما كنت أنتهز كل فرصة متاحة لأعرض عليه ما يعنّ لي من أفكار قصد تسديدها بنظره الثاقب ونقدها بفكره السديد.
-الأساتذة الكرام أعضاء لجنة المناقشة الكريمة، الذين تفضلوا بفحص هذا البحث وتقويم هناته رغم كثرة مشاغلهم، ووفرة التزاماتهم الثقافية و العلمية، وضحوا بوقتهم الثمين في سبيل إفادتي شكر الله لهم وبارك فيهم وأجزل لهم الجزاء الأوفى، وإنني أعدكم منذ الآن بحسن الإنصات إلى ملاحظاتكم وتصحيحاتكم، والسعي الجاد إلى الإفادة منها في هذا البحث وفي غيره إن شاء الله، لأنني موقنة بأن ما ستتفضلون به درر غالية وقطع من تجربتكم الواسعة في البحث العلمي أشكر لكم إهداءها إلي.
– جميعَ أساتذتي الأجلاء بوحدة التكوين و البحث:” التواصل و تحليل الخطاب في الأدب العربي القديم”، ووحدة الدكتوراه التابعة لها، الذين غمرونا بكريم أخلاقهم ، و بذلوا في سبيل تكويننا و إفادتنا الوقت والجهد، وفي مقدمتهم أستاذاي الفاضلان اللذان تتابعا في رئاسة هذه الوحدة: الدكتور بوجمعة جمي الذي كان له الفضل في تأسيس الوحدة، وفتح أبواب الدراسات العليا أمام طلبة شعبة اللغة العربية وآدابها، والدكتور صالح أزوكاي الذي أوصل الوحدة بجدِّه و حرصه وخلقه الرفيع وغيرته إلى أوج عطائها، وغمر الطلبة المنتسبين إلى الوحدة برعايته الأبوية ودعمه وتشجيعه، فأثمرت بفضل إشرافه وبفضل جهود أساتذة الوحدة جميعا أبحاثا علمية موفقة.
-جميع أساتذتي الأفاضل بشعبة اللغة العربية وآدابها الذين درست على أيديهم ، وأفدت من محاضراتهم الشيقة ودروسهم المتنوعة.
-كلَّ من درسني في كليتنا العزيزة وفي جميع أسلاك التعليم.
– أستاذي الفاضل وزوجي الكريم الدكتور المهدي السعيدي، الذي له من الأيادي البيضاء على هذا البحث ما لا يتسع المقام لعدها، ولا يفي الكلام بشكرها، فقد أفادني بتوجيهاته القيمة وتشجيعاته الدائمة طيلة مدة دراستي فضلا عن السنوات الطوال التي استغرقها إنجاز هذا البحث.
– السيدَ الفاضل والإبن البار الأستاذ عبد الوافي بن محمد المختار السوسي رضى الله، الذي ضرب مع إخوته في الوفاء العلمي و الثقافي لتراث الآباء و الأجداد أروع الأمثلة و أجلاها، فقد أفادني كثيرا، بإشرافه على طبع و نشر عدد من مؤلفات والده، وبجمعه شتات سيرة والده الذاتية في مؤلف خاص. كما ساعدني- جزاه الله خيرا- بأريحية عجيبة وهمة عالية في تصحيح بعض العبارات المصحفة في كتابات والده بعد العودة إلى أصولها المخطوطة.
– أخوه السيد أحمد رضى الله نجل العلامة محمد المختار السوسي، الذي استفدت كثيرا من مجهوداته في جمع ما كُتِب عن والده ونشرِه في موقعه الذي افتتحه على الشبكة العالمية للمعلومات وضمنه كثيرا من النصوص المهمة والمقالات والدراسات والأبحاث بل والكتب الكاملة حول جوانب مختلفة من فكر والده إضافة إلى متابعة الندوات والمحاضرات التي تعقد فينة بعد فينه في مختلف مناطق المغرب.
– والدتي الكريمة وأبنائي وإخوتي و صديقاتي الذين دعموني بتشجيعهم ودعواتهم، وشاركوني لحظات إنجاز هذا البحث.
فلهؤلاء جميعا أتقدم بأسمى عبارات الشكر و الامتنان، وأزجي عاطر الثناء و جميل العرفان، سائلة الله أن يثيبهم أعظم الثواب على مساعداتهم الجليلة و إرشاداتهم النيرة، ومؤازرتهم المعنوية و العلمية لي طيلة مراحل إنجاز البحث، فجزاهم الله جميعا أوفى الجزاء و أعظمَه
ولو أني أوتيت كل بلاغة |
و أفنيت بحر النطق في النظم والنثر |
لما كنت بعد القول إلا مقصـرا |
ومعترفا بالعجز عن واجب الشكر |
هذا وإني لا أدعي لعملي الكمال ولا أنزهه عن الخطإ والزلل لأن النقص لازم لبني البشر ولبنات أفكارهم فإن وفقت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
السيرة العلمية للباحثة
الإسم الكامل : آمنة الراضي
تاريخ الازدياد: 30 يناير 1980 بتارودانت
الشهادات المحصل عليها:
– شهادة الباكالوريا سنة 1998 بميزة مستحسن
– شهادة الإجازة سنة 2002 من كلية الآداب بأكادير بميزة مستحسن
– شهادة دبلوم الدراسات العليا المعمقة سنة 2005,في إطار وحدة التكوين و البحث: “التواصل وتحليل الخطاب في النقد الأدبي القديم”
البحوث الجامعية:
– بحث الإجازة: ” من شعر اليزيد الراضي” جمع وتحقيق ودراسة, بإشراف الأستاذ الدكتور المهدي السعيدي، السنة الجامعية 2001/2002.
– بحث دبلوم الدراسات العليا المعمقة: “رسالة الحذار من الغريب إذا غشي الدار” لأبي زيد عبد الرحمان التامانارتي (ت1060هـ) تحقيق ودراسة ,إشراف الأستاذ الدكتور محمد الحاتمي السنة الجامعية 2004/2005.
أعمال أخرى:
– مقال: “قراءة في أطروحة الدكتوراه (محمد المختار السوسي, بيوغرافية ثقافية ) للأستاذ الدكتور مولاي الحسن السكراتي” منشور بالعدد الخاص بالعلامة محمد المختار السوسي من مجلة المناهل العدد المزدوج 75-76 الصادر في صيف سنة 2005.
– مقال : “مفهوم الولي من خلال رسالة ( معنى الولي في الشرع) للعلامة محمد المختار السوسي”, إسهام في ندوة التصوف في الجنوب المغربي المنظمة بتزنيت يوليوز2005.
– “المرأة ومعيقات البحث العلمي في الجامعة المغربية” ورقة مقدمة في المائدة المستديرة الثانية، ضمن الملتقى الثالث لمنتدى الزهراء الجامعي التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، في موضوع: “المرأة والبحث العلمي واقع وإكراهات” يوم 3 نونبر 2009
– “معالم من حياة العلامة محمد المختار السوسي” إسهام في الملتقى الأدبي العلمي الثاني للإقامة الجامعية “سوس العالمة” المنظم في 30 مارس 2013 تحت شعار: شباب رائد لمجتمع واعد, تكريما للعلامة محمد المختار السوسي.