محمد المختار السوسي والثقافة الأمازيغية ترجمة كتاب الأربعين حديثا النووية إلى الأمازيغية السوسية
رضى الله عبد الوافي
التجديد : 02 – 04 – 2008
اهتم العلامة محمد المختار السوسي بالثقافة الأمازيغية، سواء من حيث جمع متونها الأدبية أو الدراسات المقارنة حولها أو الترجمة إليها. وذلك انطلاقا من تصوره الفكري الذي عمل على أساسه، وهو إبراز ارتباط المغاربة جميعا والسوسيين خصوصا بالإسلام عقيدة وشريعة وشغفهم باللغة العربية دراسة لقواعدها وإبداعها فيها، ومن مؤلفاته في هذا المجال ترجمته لكتاب الأربعين حديثا النووية إلى الأمازيغية السوسية.
يعد العلامة محمد المختار السوسي في طليعة الرعيل الأول من رجال الوطنية والفكر والثقافة بالمغرب في عهدي الحماية والاستقلال. وقد أهله لشغل هذه المكانة فكره الإصلاحي المتجلي في أعماله العلمية ونضاله الوطني من أجل الاستقلال وتنمية بلاده بالحفاظ على قيمها العربية الإسلامية وثوابتها الوطنية وترسيخ سمات الشخصية المغربية الأصيلة المبدعة. وقد تعددت الواجهات التي اهتم بها العلامة السوسي، فمن النضال الوطني إلى الإصلاح الاجتماعي، ومن التأليف التاريخي إلى الإبداع الأدبي، ومن التصنيف العلمي الشرعي إلى التربية والتعليم، وقد أنتج هذا النشاط الدائب والعمل المستمر مؤلفات كثيرة تنيف على الثمانين جزءا، تميزت بعمق النظر ودقة التفكير وحسن الترتيب وسعة الإحاطة. من أبرزها كتابه: المعسول في عشرين جزءا وخلال جزولة في أربعة أجزاء والإلغيات في ثلاثة أجزاء ومن أفواه الرجال في عشرة أجزاء… وغير ذلك من المطبوعات والمخطوطات.
محمد المختار السوسي والثقافة الأمازيغية تناولت الدراسات والبحوث الجوانب التاريخية والأدبية من إنتاج العلامة السوسي من خلال رسائل وأبحاث جامعية وكتب ودراسات منشورة، وبقيت جوانب أخرى ما زالت في حاجة للدراسة منها اهتمام العلامة السوسي بالثقافة الأمازيغية، سواء من حيث جمع متونها الأدبية أو الدراسات المقارنة حولها أو الترجمة إليها. وقد اختلف الدارسون حول اهتمام العلامة محمد المختار السوسي بالثقافة الأمازيغية، فمنهم من دافع عن جهوده في هذا المجال وعده من رواد الدراسات الأمازيغية، وهناك من حمل عليه وعده من المهملين لتراثهم الأمازيغي حين لم يتعرض لجمع نصوصه وعكف على استقصاء مظاهر اهتمام السوسيين بالثقافة العربية الإسلامية وجمع إنتاجهم وترجم لأعلام العلماء ونوابغ الأدباء.
ولاحظ عليه هؤلاء إهمال إيراد النصوص الأمازيغية، بل تجنب إيرادها في كتابه المعسول حينما يتعلق الأمر بحادثة تاريخية وردت حولها نصوص أمازيغية سوسية. ومهما يكن الموقف من العلامة السوسي، فقد كان مخلصا لمنهج اصطفاه ولمرحلة تاريخية معقدة تميزت بالتدخل الأجنبي في المغرب وتهديد مقومات البلاد وقيمها الإسلامية وثوابتها الوطنية، وكانت أصداء الظهير البربري لا زالت ترن في الآذان معلنة عن خطة استعمارية لقطع المغرب عن ماضيه العربي الإسلامي وربطه بالقوميات الأوربية الناشئة في أواسط القرن العشرين الماضي تلك القوميات المتعصبة التي أدت إلى تدمير أوربا نتيجة الحرب العالمية الثانية.
وكان العلامة السوسي يرى مع زملائه في الحركة الوطنية المخاطر المحدقة من انطماس التراث الأصيل الذي قضى المغاربة دهورا طويلة في بنائه وتنميته ليعبر عن ارتباطهم بعقيدتهم وعن شخصيتهم المتميزة، فعملوا جميعا لأجل الحفاظ عليه من التيارات الفكرية الوافدة الكاسحة وذلك عبر توثيقه وحفظه للأجيال المقبلة التي ستعمل ـ كما اعتقدوا – على الاهتمام به وإحيائه واتخاذه وسيلة للبناء والتنمية. وخلال هذا التوثيق كان رواد الدراسات الأدبية والتاريخية بالمغرب مهتمين بالتجليات المحلية والجهوية للحضارة الإسلامية في حواضرهم وبواديهم وجهاتهم، مركزين على السمات الجامعة للفكر والإبداع المغربي، مبرزين إجماع المغاربة عبر التاريخ على الاعتزاز بالعقيدة والدين، متجنبين ما أمكنهم ـ حسب تصورهم ـ خدمة المشروع الاستعماري، البارز من خلال الظهير البربري والواضح من خلال الدراسات الاستعمارية التي كتبها أقطاب الدراسات التاريخية من أمثال هنري تيراس وميشو بيلير وباسي وغيرهم.. ممن كان غرضهم تحقيق تغيير فكري بالمغرب يرمي إلى طمس هويته الحضارية وربطه بصفة نهائية بفرنسا. لقد كانت هناك إذن دوافع فكرية وتاريخية مرحلية دفعت العلامة محمد المختار السوسي إلى الاهتمام بالتراث العربي الإسلامي في منطقة سوس عوض العناية بنظم النظامين السوسيين بالأمازيغية والتعريف بهم، فجعل الأولوية للأهم قبل المهم، ولما ينبغي استدراكه قبل ضياعه مما يمكن تأجيل الاشتغال به لينهض بعبء توثيقه وضبطه وجمعه ونشره بعد الاستقلال من آنس من نفسه الكفاءة والقدرة، حينما تنتقي الموانع من الاهتمام به ويصبح في نظر المغاربة تجليا من تجليات التراث والثقافة الإسلامية المغربية الأصيلة باللسان الأمازيغي في مختلف جهات المغرب، عوض أن يكون كما في نظر الدارسين الغربيين مظهرا من مظاهر الفكر والإبداع خارج نطاق العقيدة والقيم الوحدوية للمغاربة. غير أن ما ينبغي أن نشير إليه أن العلامة محمد المختار السوسي لم يهمل الثقافة الأمازيغية ولم ينسلخ من طينته التي نشأ عليها في قريته بدوكَادير إلغ، بل اهتم بما أمكن له منها انطلاقا من تصوره الفكري الذي عمل على أساسه، وهو إبراز ارتباط المغاربة جميعا والسوسيين بالتحديد بالإسلام عقيدة وشريعة وشغفهم باللغة العربية دراسة لقواعدها وإبداعها فيها، ومن مؤلفاته في هذا المجال نذكر:
– الألفاظ العربية في الشلحة السوسية: وهو مقال نشره بمجلة اللسان العربي عدد فيه مظاهر تأثر الأمازيغية السوسية بالألفاظ العربية الكثيرة التي اندمجت فيها وانسجمت معها إلى أن صار الناس يستعملونها حتى في المناطق الجبلية الأكثر عزلة. – أمثال الشلحيين وحكمهم نظما ونثرا، مجموع أمثال بلغت 1500 مثل جمعها فاستعارها منه الكولونيل جوستينار وترجمها إلى الفرنسية ونشرها ببعض المجلات الفرنسية ثم أملاها على زميله في معتقل أغبالو نكردوس محمد الفاسي.
– حديث سيدي حمو: مؤلف حول العادات والتقاليد والأخلاق والحياة الاجتماعية في سوس نشر نجل المؤلف عبد الوافي السوسي مقدمته بجريدة التجديد العدد 1171 بتاريخ الجمعة 2 جمادى الأولى 1426 ـ 10 يونيو .2005 – قطائف اللطائف: مؤلف للحكايات والنوادر السوسية التي تبرز الحياة الاجتماعية في المنطقة.
– ترجمة كتاب الأنوار السنية في الكلمات السنية لمحمد بن أحمد بن جزي الغرناطي إلى الأمازيغية السوسية.
– ترجمة الأربعين النووية إلى الأمازيغية السوسية: وهذا الكتاب هو الذي ندرسه في هذا العرض. ويمكن أن نضيف إلى هذه المؤلفات اهتمام العلامة السوسي بوصف المخطوطات الأمازيغية في كتبه كما فعل في كتابه خلال جزولة الذي جمع فيه رحلاته العلمية في جــبال الأطـــــلس الصغير ووصف فيه الخزانات التي زارها وما فيها من كتب ومخطوطات، ومن جملتها الكتب المحررة بالأمازيغية.
من خلال كل ما مرّ نرى أن العلامـــــــة محمد المختار السوسي قد أدلى بدلوه في الاهتمام بالثقافة الأمازيغية من خلال هذه المؤلفات وقدم لها ما لم يقدمه أي أحد من معاصريه، والظاهر أن الذين ينتقدونه إنما يؤاخذونه على شدة اهتمامه بإسهام المغاربة عامة والسوسيين بصفة خاصة في خدمة الثقافة الإسلامية، مقابل قلة اهتمامه بما كتب بالأمازيغية من أشعار وحكايات فيلزمونه بما لم يلزم به نفسه ويحاكمونه بناء على ذلك محاكمة جائرة لا أثر فيها للمقياس العلمي ولا تثبت ولا استدلال.
التعريف بترجمة كتاب الأربعين النووية :
يعد كتاب الأربعين حديثا للإمام أبي زكرياء يحيى ابن شرف النووي المشهورة بالأربعين حديثا النووية من كتب مختارات الأحاديث التي سار فيها المؤلف على منهج سابقيه في جمع أربعين حديثا في أصول الدين أو في الفروع أو في الجهاد أو الزهد أو الأخلاق أو الخطب، وقد قال في مقدمتها: وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله، هي أربعون حديثا مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وقد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام أو ثلثه أو نحو ذلك، ثم التزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيحي البخاري ومسلم، وأذكرها محذوفة الأسانيد، ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها إن شاء الله تعالى. وقد لقي كتاب الإمام النووي انتشارا واسعا بين الناس في مختلف البلاد الإسلامية وفي المغرب خاصة فقد اهتم به المغاربة وحفظوه ورواه العلماء بسنده إلى مؤلفه وانبروا لشرح أحاديثه والتعليق عليها، وأدرج في المقررات الدراسية في مختلف العصور الإسلامية، كما جعله الوعاظ خاصة من أتباع الطرق الصوفية ومريديها مادة لمواعظهم وحثوا الناس على استظهاره. أما في منطقة سوس فلقي الكتاب رواجا كبيرا ورواه السوسيون بالسند المتصل إلى مؤلفه الإمام النووي كما نجد عند أبي زيد عبد الرحمن التمنـــــــــــارتي ت 1060هـ في كــــتابه الفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة حيث رواه عن شيخه يحيى ابن عبد الله الحاجي العالم المدرس بالزاوية المنانية الحاجية بأحواز تارودانت الذي رواه بسند متصل بالإمام ابن حجر العسقلاني.
المهدي بن محمد السعيدي عن الموقع الإلكتروني لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتصرف
ملحوظة: نظرا لضيق الحيز حذفنا الهوامش، فمعذرة لكاتب المقال وللقراء الكرام.