أُنشدت هذه القصيدة في يوم 19 نونبر 1954 في معتقل أغبالو نكردوس – بنواحي تنجداد والذي كان يضم جماعة من خيرة رجالات الحركة الوطنية الذين زج بهم الاستعمار الفرنسي سنة 1952 بعد أن حل الأحزاب وعطل الصحف وقام بحملة اعتقالات واسعة النطاق تمهيدا للمؤامرة الكبرى التي أقدم عليها المقيم العام بنفي عاهل البلاد. والقصيدة تسجيل لحادثة وقعت بالمعتقل كان بطلها الفقيد محمد الفاسي، ذلك أن حاكم كلميمة (الكومندان الفرنسي) زار المعتقل ومر بالأستاذ إدريس المحمدي الذي كان مشغولا بالنظر في كتاب، فلم يلتفت إلى الكومندان ولم يهتم بتحيته. اغتاظ الكومندان لذلك فجمع المعتقلين ليلقنهم درسا في الطاعة والاحترام، فانبرى له محمد الفاسي ودار بين الاثنين جدال عنيف. في هذه الأثناء تنبه الكومندان إلى صورة الملك محمد الخامس على صدر الأستاذ الفاسي، فأمر بانتزاعها. وكان الملك قد أُبعد إلى المنفى فعلا ونصب الفرنسيون مكانه صنيعتهم ابن عرفة. لكن الأستاذ الفاسي امتنع عن ذلك في إباء، فكانت النهاية انهزام الكومندان وانسحابه مشبعا بالخزي والعار.
يقول شاعرنا الكبير في مقدمة هذه القصيدة الرائعة:
بالحـــــق صــــــاولت لا بالبيض والأســل لــــله درك يا فـــــاسي مـــــن بطـــــــل
إدريس أنهـــــل بـــــــدءا بالإبـاء وقــــــــد ثنيــــت أنــــت بمـــا صــــــاولت بالعــلل
جـــــاء الكمـــــنـدار مخــــــتـالا كعادتـــه يظن أن ليس فــــي (كردوس) مـــن رجـل
إلى أن يقول في أخرها:
هذا الكومندار ولــــــى بعد أن خـــسـرت يداه يسحـــــب أذيــــالا مــــــن الفشـل
ولى وقد غــــمر الإخــــفاق سحنـــــــته من بعـــــد أن غــــــمرته مــــوجة الأمـل
أتــــــى يشايــــعه ذاك الغــــرور وقــــــد شيع بالخسف خسف الخزي في الـقفل
كــــذاك شاهـــــــد (كردوس) مـــــحاورة ما إن لهــــــا شبـــــه فــــــي أي معتقل
إدريس أوقـــــــد، والفاسي ســـــجر من أتونها باقتحـــــــــــــام المقدم البــــسل
كلاهما بطـــل مر النضــــــال وهــــــــــل يحمي الحقــــــيقة غير البهمة الـــــبطل
من لا يفرق مـــــــــــا بيــــن الرجال فهل أضحى يفرق بيــــــــن الصــــــفو والزغل
يتبع في العدد المقبل…
———————————
1. دعوة الحق، العدد 7 السنة الثانية 1959- ص 49-52.