الدرس الثاني: بدء الخلق، ونزول الشرائع

Home / دروس صوتية / الدرس الثاني: بدء الخلق، ونزول الشرائع
الدرس الثاني: بدء الخلق، ونزول الشرائع

الدرس الثاني: بدء الخلق، ونزول الشرائع. (8:23 د)

من الدروس الصوتية المقدمة بالشلحة قام بترجمتها إلى العربية الأستاذ الباحث الحبيب الدرقاوي

 السلام عليكم ورحمة الله.

رمضانكم مبارك سعيد؛

إن من رحمة الله تعالى أن خلق هذه الدنيا، وخلق فيها كل هو ما هو كائن فيها من حيوانات، وخلق فيها بعد ذلك أول الأنبياء سيدنا آدم عليه السلام، الجد الأعلى للبشرية جمعاء.

وإن رحمة الله تعالى وحلمه ليظهران جليا في خلقه مختلف أصناف الحيوان، وفي جعله لذرية سدينا آدم ما يقيمون به أودهم، فالله عز وجل قد أعد لبني آدم ما يقتاتون منه، وما يكتسون به، وهيأ لهم كل ما لا تستقيم حياتهم إلا به، وأنعم عليهم بنعمة العقل والتمييز، وإن من المصالح ما لا يدركه العقل إلا بعد سنين عديدة، وقرون مديدة، فحينها يبلغ كنهها.

ولكن من حكمة الخالق سبحانه أن وفر لني آدم من أول وهلة كل ما هم في حاجة إليه، فتناسل أبناء سيدنا آدم وتكاثروا، وأبوهم آدم حي بين ظهرانيهم، فبعث الله إليهم أباهم آدم نبيا من أنفسهم، ليدلهم ويرشدهم إلى سبل السعادة في الدنيا والآخرة، يلقنهم أسس التعامل والتآخي والاحترام.

إن سيدنا آدم هو فاتحة الأنبياء، قَفَّى الله بعده بأنبياء كثر، من جملتهم: سيدنا نوح، سيدنا إبراهيم، سيدنا إسماعيل، سيدنا إسحاق، سيدنا يعقوب، سيدنا يوسف، سيدنا يونس، سيدنا صالح، سيدنا موسى، وسيدنا عيسى، فالكل أنبياء الله تعالى، وكلهم على دين واحد، وكل ما جاؤوا به من مشكاة واحدة، فالأصل في كل الديانات السماوية واحد هو التوحيد، ليعلم الناس ويوقنوا أنه لا إله إلا الله، ولا خالق إلا الله، ولا معطي ولا مانع إلا الله، ولا يحيي ولا يميت، ولا يفعل ما يشاء إلا الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يشاركه في ذلك لا ملائكة، ولا أنبياء، ولا أحد من العالمين، فالله هو المتفرد بالتصرف في جميع الخلق، فهذا هو الأصل، وهو أُسّ أُسُس الدين، ثم يليه بعد ذلك: أن يعلم الناس بوجود حياة ثانية، -غير هذه التي نحياها-، وأن يكونوا على يقين أنها هي الحياة الدائمة، وذلك حين يموت الناس كلهم أجمعون ثم يبعثهم الله، فيجمعهم الله تعالى، فمن عمل صالحا في هذه الدنيا، جوزي عليه في الدار الآخرة، فيحيى سعيدا سرمدا، ومن عمل سوء في حياته الدنيا، قُوبِل بمثله في الدار الآخرة، فهو من الأشقياء أبدا.

نسأل الله تعالى أن ينجينا وإياكم من زمرة الأشقياء، ويجعلنا في زمرة السعداء، ببركة هذا الشهر المبارك، وببركة هذا النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو أصل كل الديانات.

ومن حكمة الله تعالى أنه يبعث لكل أهل ديانة شريعة خاصة؛ فالعبادات تختلف من ديانة إلى أخرى، لأن كل عبادة تكون موافقة لزمن تشريعها، لذلك فشريعة سيدنا موسى، وشريعة سيدنا إبراهيم، وشريعة سيدنا عيسى، كلها متباينة، وإن اتحدت في الصلاة والصيام وغيرها من العبادات، فهي مختلفة في الأداء، فلكل زمن خصائصه ومميزاته، فكما أن لكل قبيلة أعرافا في السقي والري تتنوع باختلاف الأزمان، فمنها من يعتد بِالكَم، ومنها من يعتد بالفترة الزمنية، مَثَلُ ذلك مَثَلُ الأنبياء في اختلاف شرائعهم، فكل حسب من بعث إليهم.

فلما انقضى سائر الأنبياء، ومضت قرون وأجيال عديدة، جاء زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وبعد أن ولى زمن سيدنا عيسى بما ينيف عن الستمائة سنة، صار زمن احتاج فيه الناس إلى دين جديد، دين يوافق عقولهم التي تغيرت عما كانت عليه مند زمن سيدنا آدم وسيدنا إبراهيم، فقد صار الناس على قدر من العقول، فكانوا في حاجة إلى دين تكون شريعته وفروعه وعبادته توافق ذلك الرقي في عقولهم، بخلاف ما مضى، فكان ذلك سببا ليبعث الله لهم دينا ملائما لطبائعهم، فأوان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحن حتى خاض الناس في أمور دينهم لعبا وهزؤا، فاستهزأ رهبان النصارى بدينهم، وتلاعب أحبار اليهود بدينهم، ناهيك عن أولئك الذين لم يعايشوا الدين قط، ولم يفقهوا شيئا؛ كأهل الهند، أو أهل الصين، وأهل السودان، أولئك الذين كانوا يحيون حياة الهمج الرعاع، ولم يكونوا على هداية قط، غير أن الله تعالى رؤوف رحيم بجميع خلقه، يريد أن يجعل من الجميع سعداء ببركة هذا الدين.

وفي أثناء ذلك كله؛ فتح الله الباب لهذا الدين الجديد الذي جاءنا به النبي صلى الله عليه وسلم، كالفجر يشق غياهب الظلام، وكالنار تتقد في الجذوة الخامدة، وكما الحياة تنبعث في الميت، فكذلك مثلُ الدنيا لما بُعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

فما هو أصل هذا النبي صلى الله عليه وسلم؟، ومن هم قومه؟.

أما عن قومه صلى الله عليه وسلم؛ فهم قوم يسمون «العرب»، يَعمرُون الصحراء العربية، وهم قومُ جاهلية، فقراء معدومون، جُفاة القلوب، حتى إن البعض منهم ليأخذ ابنته حية تستعطفه، فيَئِدُها، يأنفون من التكفل بمعيشتها.

هكذا كان حالهم؛ لا عهد لهم بالأديان، اللهم دين اليهود والنصارى على قلة من يعلمون به.

من هذا القوم أَخرج الله تبارك وتعالى الخير كله، فالله يجعل الخير حيث يشاء، فَهَبْ أنك حملت بَذْرا، فسقط منك بعضه في مَوْضِع، وأنت غافل لم تشعر به، ودُسْتَه برجلك دون علم منك، وبعد حين نَبَت وأَيْنَع، إلى أن صار نباتا عظيما، ملأ الأرجاء، فتَفَيَّأْتَ ظله، واقْتَتْتَ بثَمره، فكذلك الله إذا أراد شيئا هيأ له أسبابه.

وكانت هذه القبائل العربية كثيرة، تشوبها حروب طاحنة، وغارات فيما بينها، عبادتهم الأصنام، لا يَتَّبِعُون أي دين، ومن جملة هذه القبائل قبيلة تسمى «قبيلة قريش»، كان أهلها ينتسبون إلى نبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي أقام قواعد الكعبة المشرفة بإذن من الله تبارك وتعالى، تلك الكعبة التي هي قبلة لصلواتنا، قد رفع قوائمها سيدنا إبراهيم قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ثلاثين قرنا، غير أن أهلها قد طال بهم العهد، فلم تعودوا على دين جدهم إبراهيم الحنيف، اللهم ما بقي من تعظيم ذلك البيت الحرام فقط…

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.                 

 {youtubegalleryid=6}