ملامح من شخصية المختار السوسي

Home / سيرة العلامة / ملامح من شخصية المختار السوسي
ملامح من شخصية المختار السوسي

ملامـح بــارزة مــن شخصيـة العلامـــة سيـدي المختار السوسي

بقلم : مصطفى بوكرن

إن شخصا كالعلامة محمد المختار السوسي رحمه الله، ليستحق بكبرياء تخليد فكره وأعماله على صفحات التاريخ المغربي، لما له من إسهام جبار في بعث روح الاعتزاز بالهوية المغربية ابتغاء التفاعل الراشد مع الحاضر المعيش لاستشراف المستقبل القادم بنفس تواقة إلى الأمل و الحرية. وإن ما سأكتبه، هي مجرد نظرات في شخصيته، ومساهمة مني في رسم صورة مختصرة عن شخصيته المعطاءة التي لا يسعها إلا الأبحاث الكثيرة للمفكرين و المتخصصين، لتخرج إلى الساحة الثقافية عبارة عن مؤلفات وبحوث تنور عقل الجيل الجديد بما وصل إليه النبوغ المغربي في مرحلة من المراحل، ليشكل دعامة أساسية في الإقلاع الحضاري لأمتنا.

 

الملمح الأول: العالم  المتواضع

إن ملمح التواضع في شخصية المختار السوسي، يجعلها تثير الناظرين إليها باندهاش، فشخصيته لا تفكر في الشهرة والزعامة، فعندما تعكر صفو العلاقة بين القصر والباشا الكلاوي والمستعمرين، اختار المختار صف الحركة الوطنية، ويقول معلقا على ذلك:

“لقد كتب لي أن أمثل هذا الدور الذي دفعتني إليه الأقدار، وأن لم أكون مطلق فرد من  أفراد الشعب لا في العير ولا في النفير، ورحم الله من عرف قدره ولم يجاوز طوره”، فهذا الكلام يبين حقيقة تفكير الرجل، الذي انصهر في بوتقة التواضع، نظرا للرعاية الصوفية التي يتفقد بها نفسه، وقال في مكان آخر: “فلم يبق لي إلا أن أكون طويلبا يؤدي ما استطاع مهمة الطلبة”.

الملمح الثاني: الانفتاح بلا ذوبان

فهاته القاعدة نراها متجسدة في هذا العالم الجليل، فهو لا يقبل التزمت ولا يقبل الذوبان، بل هو منفتح على الآخر ويسعى إلى الاستفادة منه، لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، لكن دون تنكر لأصالته، فهو نراه يتحدث عن كتاب التطور لداروين، الذي جعله أنيسه في خلوة السجن: “فانكببت عليه أتفهم مغازيه وأستوحي منه ما يريد داروين الإنجليزي بفكرته هذه، فأفادني فوائد”، ومن الملفت للانتباه أنه ما أن أتم هذا الكتاب واستفاد منه، حتى أقبل بنهم أيضا على كتاب قدم له و هو ”كتاب دلائل الخيرات”، وفي هذا دلالة بليغة على طبيعة شخصية المختار، كيف يجمع بين نظرية التطور، التي تعتبر الإنسان قردا من القرود، و بين دلائل الخيرات، الذي هو عبارة عن برنامج أوراد وأذكار، وشتان بين هذا وذاك؟

الملمح الثالث: التجدد والتطور

إن المختار السوسي له فكر يستجيب للتجدد والتطور، ولإبراز هاته الصورة  يقول: “ثم لما حللت على فاس، أتى الوادي فطم على القرى، فبدلت أخلاقا غير التي عهدت من نفسي قبل وأ نا في مراكش وأحواز مراكش، فلقد تلقحت في جو فاس بما لو لم أتلقح به لما كانت لي فكرة، وما تحركت بهمة، ولا نزعت لي نفسي عزوفا. تكونت لي في فاس فكرة دينية فرقت بها بين الخرافات المموهة، وبين الروحانيات الربانية، كما نبتت مني غيرة وطنية نسيت بها نفسي ومصالحي الشخصية، فأعددت نفسي فداء لديني ولوطني ولأمتي التي هي أمة العرب والإسلام جمعاء، وأنا بين  هاتين الفكرتين السلفية الإصلاحية والغيرة الوطنية أسبح في آداب حية طلع بها هذا العصر الجديد، فصرت أقرأ من نثر المنفلوطي و فريد وجدي ومحمد عبده وأضرابهم، ومن شعر شوقي وحافظ ومطران وأمثالهم، مما عرفت به أن الذي كنت أسبح فيه في منذ صغري ليس إلا ضحضحا كدرا لا يبرد جسدا ولا يفتأ غلة ولا يقضي على لهفة.

الملمح الرابع: الحوار والتوفيق

فهذا الأساس بالنسبة لشخصية المختار السوسي، يشكل الدعامة الأساسية لاستمرار فكره، إذ بدونها سيبقى فكره في غياهب عزلة التاريخ، فمع تصوفه يبقى حريصا  على الأصلح  من التصوف، ومتصدرا لعملية التوفيق، سواء في حواره مع الفكر السلفي الجديد أو حتى مع الفكر الغربي الوافد، ويقول السوسي: “فمن اعتنق التصوف الخالص ونجاه الله مما ألصق به عن عمد أو عن جهل من البدع، فإنه ما اعتنق إلا الإسلام الخالص نفسه”، فالمختار السوسي ليس عنده مشكل مع التصوف السني، وإنما له مشكل مع التصوف البدعي، فمزج بين السلفية والصوفية ليظهر بمظهر السلفي المتصوف، عكس بعض رجالات السلفية الوطنية، الذين قطعوا مع التصوف. ومن المعلوم أن المختار، الذي ألف موسوعة المعسول في تاريخ سوس لتخليد التراث العلمي السلفي السوسي، قد كتب أيضا كتاب ”منية المتطلعين إلى من في الزاوية الإليغية من الفقراء المنقطعين”، ولو كان متعصبا لصوفيته لما تدارس مع شيخه سيدي المحفوظ الأدوزي ”كتاب إظهار الحق”، للشيخ رحمة الله الهندي.

الملمح الخامس:النظر الى المستقبل

يمكن أن نقول إن هذا الملمح له شأن عظيم في مشروع محمد المختار السوسي، فالمستقبل يشكل بالنسبة إليه الأمانة التي لا يمكن بحال نسيانها، وخير مثال على ذلك تفكيره في كتابة تاريخ المغرب وسبر أغواره وتجلياته للجيل القادم، يقول: “أفيمكن أن يتكون التاريخ العام للمغرب تاما غدا إذا لم يقم أبناء اليوم، والعهد لا يزال قريبا، ولما تغمرنا أمواج هذه الحضارة الغربية الجارفة التي تحاول منذ الآن حتى إفساد ماضينا بما يكتبه عنا بعض المغرضين من أهلها، بجمع كل ما يمكن جمعه وتنسيق ما لايزال مبعثرا بين الآثار ومنتشرا أثناء المسامرات، فإنه لو قام من كل ناحية رجال باحثون ببذل الجهود لتكونت بما سيهيئونه من التاريخ الخاص بكل ناحية مراجع عظيمة سيتكئ عليها الذين سيتصدرون التاريخ العام المستوعب في عالمنا العربي المغربي غدا، بله الحوادث والأطوار المتقلبة، وما هذا الغد ببعيد وتباشير فجره تلوح الآن في الأفق”.

نقلا عن مدونة الوعي المغربي : 

http://father-father.maktoobblog.com/38227/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B3%D9%8A/