فضائل شهر رمضان، وفوائد الصيام

Home / دروس صوتية / فضائل شهر رمضان، وفوائد الصيام
فضائل شهر رمضان، وفوائد الصيام

الدرس الثالث: فضائل شهر رمضان، وفوائد الصيام (7:45 د)

من الدروس الصوتية المقدمة بالشلحة قام بترجمتها إلى العربية الأستاذ الباحث الحبيب الدرقاوي

السلام عليكم.

رمضانكم مبارك؛

قد حل بنا شهر مبارك، وأقبل علينا ليمتحن قوة إسلامنا، ومتانة أخوتنا، وتوطد الوشائج فيما بيننا.

ولنستحضر كم من الإخوان كان معنا وبين ظهرانينا في مثل هذا الوقت من العام المنصرم، قد انتقل إلى جوار ربه الكريم، وكم منا سينتقل إلى الدار الآخرة قبل حلول رمضان القادم، وما ذلك إلا اختبار لاستيعاب الواجب المفروض علينا؛ فليس الواجب مجرد الذكر باللسان والصلاة وتكرار التكبير، أو مجرد الصيام، وإنما الواجب الآكد هو تحصيل لذة تلك الصلاة وذلك الصيام، وتحققه في نفوسنا، فإن بلوغ لذة الإيمان لا يتأتى إلا ببلوغ لذة الصلاة، ولذة الصيام، ولذة الصدقات، واستشعار لذة كل ما فرض الله تعالى، وما سنه نبيه صلى الله عليه وسلم.

إن هذا الدين الذي اختاره الله لنا هو دين الرحمة؛ به رحمنا الله واصطفانا من بين سائر الأمم، وأمدّنا بكل ما من شأنه أن يعيننا في ديننا، وفي ذواتنا، وفي كل أمورنا، فإن من صام رمضان يستحضر -وهو في تلك الحال- حال الضعفاء والمساكين، ويستحضر حالة الجوع، فيهن ويضعف، ويخالف نسفه وهواه، فيكون ذلك سبيلا إلى أن تسمو أخلاقه، وتزكو نفسه، فإن من أحس في نفسه ألم الجوع، وشدة الفاقة، استحضر لا محالة ألم المساكين المستضعفين، فيكون ذلك سببا إلى تسلل الرأفة والرقة إلى فؤاده، وهي خصلة حميدة نستفيدنا من هذا الشهر العظيم.

وإلى جانب هذه الخصال الروحية، فإن أجسامنا وذواتنا كذلك لها كفل من الانتفاع من هذا الصيام؛ فالصوم صحة للجسم، فالإنسان يداوم على الأكل والشرب والملذات طوال أشهر العام، ولما يهل شهر رمضان الأبرك يجيع بطنه، وفي إجاعته غاية النفع، وهو ما يسمى بـ(ـالحمية)، وفوائدها عديدة لا تخفى.

فهذا إذا هو معنى الصيام.

وفي هذا المعنى الرباني يُبين النبي صلى الله عليه وسلم أن من لم يَصُم بقلبه ولسانه، فليس لله حاجة في جوعه، وأن يدع طعامه وشرابه.

إن كل ما أمرنا به الحق سبحانه من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، وسائر الأمور الصالحة، فإن الله تبارك وتعالى لا ينظر فيها إلى الأفعال بذاتها، وإنما يطّلع على القلوب والنوايا؛ ففي الحديث الشريف: »إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ، ولاَ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ«، ففي هذا الحديث العظيم تأكيد على أن الله لا يعبأ بالأجسام والذوات، ولا بالهيئة الظاهرة، بل الأمر أسمى من ذلك، فهو يؤاخذ بمكنون القلوب التي في الصدور، فمن صفى قلبه، وصلحت نيته وإخلاصه، فاز بتقبل عمله من الله تعالى، وأما من عدم الصدق والإخلاص فأعماله كالسراب لا تجدي نفعا.

وإن مثَل هذا الشهر المبارك مثَل الشخص الذي يقصد نبع الماء فيزيل منه أدرانه غن جسده وعن ثيابه؛ فعلى المرء أن يستغل رمضان في أن يتوب إلى الله توبة نصوحا، وذلك فيما بينه وبين نفسه، وفيما بينه وبين جيرانه، وفيما بينه وبين سائر إخوانه، حتى يَرْقى إلى رتبة حب الناس كافة، فيسامحهم على ما بَدَر منهم، ويسامحوه على جرى منه، فليس بالمسلم من كره أخاه المسلم، فإن كل من يُوَلّي وجهه نحو القبلة فهو أخوك، كيفما كان، ولا يجوز لك أن تكرهه أو تبعضه، بل الواجب عليك أن تؤاخيه، فتكونا كأنكما فرد واحد، وتتقاسما ثقل الأعباء والأحمال، ففي القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا الْمُومِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.

وإنه فيما مضى من الزمان كان عدونا الوحيد هو المستعمر، وأما اليوم -ولله الحمد- فلا عدو لنا من أهل هذا الوطن، من دون أولئك المستعمرين، لذلك وجب توحيد كلمتنا، وأن نكون كلنا في أطيب الأحوال، وأن نتوب إلى ربنا تبارك وتعالى، فهذا هو المعنى الحق للصيام.

والحمد لله الذي جعل قلوب الخلق تهوى الخير، ولا يطلبون إلا إياه، ولا ينقصنا إلا أن تكون أخوتنا خالصة لوجه الله الكريم، وأن يحترم بعضنا البعض، في سبيل تحصيل مكارم الأخلاق، فإن هذه الحياة التي نحياها ليست بالهينة السهلة، بل هي صعبة شاقة، فالمصائب عديدة، وهذه المصائب يجب أن تكون لنا عظة وعبرة؛ وفي ذلك يقول الحق عز وجل: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، فإنه لا مصيبة إلا نتيجة حصائد أيديكم وذنوبكم، وإن أكبر الذنوب والموبقات؛ ذنب الخلاف والاختلاف، لذلك وجبت الوحدة والإخاء والتعاون، والصفاء في علاقتنا بخالقنا، والتناصح فيما بيننا، الحوار في التوصل إلى اتخاذ القرارات، فما وافق المصلحة أخذنا به، أو ما وافقت عليه الأكثرية عملنا به، فهكذا هو كوننا مسلمين وكوننا مؤمنين، وبلدنا المغرب -ولله الحمد- أهله مسلمون طيبون صالحون، وفقنا الله تعالى وإياكم، وأخص بالذكر إخواننا (الشلحيين)، فكلهم صالحون، أعانهم الله ووفقهم.

فهذا هو معنى الصيام بمفهومه المطلق الشاسع؛ أن يصوم الإنسان مستحضرا ما بينه وبين خالقه فيما ينقصه، وناظرا في أحوال جيرانه، مُصلحا ذات البين فيمن كانت بينه وبينه شحناء، مُؤديا ما عليه من حقوق وتبعات، سَمْحا في اقتضاء ديونه، ليحيا الكل حياة طيبة هنيئة، موقنا أن هذه الحياة فانية، ومنقضية شيئا فشيئا.

وفقنا الله تبارك وتعالى، ورحمنا، وجعلنا من السعداء، وجعلنا على المحجة البيضاء، وحفظنا، وجعل هذا الشهر مباركا علينا وعلى جميع المستمعين الكرام.

وليكثر المرء على قدر استطاعته من إيتاء الصدقات، وأداء النوافل، ومن سائر الأعمال الصالحة، فإن أجر وثواب الأعمال في شهر رمضان يضاعف عند الله تبارك وتعالى، وإن الخير ببركة هذا الشهر العظيم ليَكون يسيرا متناولا، ففي الحديث الشريف: »إِذَا كَانَ رَمَضَانُ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ«، إلا من اتبع هواه وأطلق العنان لشيطانه.

ولنعاهد الله تعالى، -فإنه لا معرفة مسبقة بيننا-، أن نكون من عباده الصالحين، فمِن رحمة الله تعالى بنا ألا يبخس أحد قدره وألا يحتقره، فسواء في جنابه من بات على فرش من حرير، ومن كان مفترشا لحصير في قمم الجبال، فالكل عباد الله، ولا فضل لهذا على ذاك إلا بتقوى الله عز وجل، وليعلم الإنسان وليوقن أنه لا واسطة بين المرء وخالقه، فإذا قال العبد: «يا رب»، استجاب الله تعالى من فوق سبع سماوات: «نعم يا عبدي».

وفقنا الله وإياكم ورحمنا.

وهذا هو الدرس الأول، ولنا معكم لقاءات جديدة إن شاء الله تعالى، وفقنا الله أن نكون دائما معكم.

وفقنا الله وغفر لنا وتجاوز عنا، وجعل كلامنا متقبلا مقبولا، وجعله يقينا صادقا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                                          إعداد الباحث: الحبيب الدرقاوي

{youtubegalleryid=13}