العلامة محمد المختار السوسي .. المؤرخ للوطنية..مستفاد معتقلي أغبالو نكردوس
رضى الله عبد الوافي المختار السوسي
التجديد : 08 – 10 – 2005
ما زلنا نكشف عن جوانب كتابات والدنا رحمه الله، وسنركز في حلقة اليوم والتي تليها على جانب تجربة النفي والاعتقال، خصوصا فترة اعتقاله ونفيه إلى تنجداد وأغبالو نكردوس (1372 1373) هذه الفترة التي دونها في كتابه معتقل الصحراء بجزأيه الأول والثاني، ويدخل هذا المؤلف ضمن المؤلفات المختصة بتأريخ الحركة الوطنية بالمغرب وكفاحها من أجل استقلاله، ويعتبر شهادة تاريخية عن فترة هذا النفي أو الاعتقال، ويجمع كذلك بين
السيرة الذاتية للمؤلف وتأريخه للأحداث التي وقعت في تلك الفترة، وهذه خص بها الجزء الأول من الكتاب المذكور الذي نشرناه منذ 1982م، أما الجزء الثاني الذي ما يزال مخطوطا، فهو يعتبر وثيقة تاريخية نادرة، جعلت مؤلفه يعتبر من القلة النادرة من المؤلفين أو من رجالات الوطنية الذين حرصوا على تدوين مذكراتهم في المعتقلات والمنافي، ويقدم لنا وضعا شاملا لحياة وكفاح قادة الحركة الوطنية، ويمكن اعتباره أيضا من أهم المواد التي يمكن دراستها في مادة الفكر المغربي في عهد الحماية.
لهذا كله فإننا سنلقي نظرة على الجزء الثاني من هذا الكتاب معتقل الصحراء، الذي خصه مؤلفه لتراجم من عاشرهم في معتقل أغبالو نكردوس من وطنيي قادة الحركة الوطنية، وتعتبر تراجم هذه الشخصيات وثائق تاريخية هامة قلما توجد في مؤلف آخر على حد تعبير المؤلف وتلقي نظرة عامة عن كل المعتقلين، وهذه التراجم من أفواههم، وتعتبر (إن صح التعبير) كمحاضر للشرطة يجلس فيها المترجم أمام المؤلف، ويسرد عليه حياته الكاملة قبل الاعتقال، ونقرأ ذلك جليا في تراجم المخطوط: فمثلا يذكر المؤلف نسب المترجم ومفتتح حياته وثقافته، وكيف تلقى الوطنية وأعماله فيها، وكيف تم اعتقاله ومستفاده منه وأمنيته المستقبلية كل هذه الأسئلة يجيب عنها المترجم والمؤلف يدون ذلك، ثم يذكر جامع الكتاب بعد ذلك ما عرفه عن المترجم وما رآه منه، ولا يفوتنا كذلك أن نذكر أن المؤلف عندما هيأ هذا المؤلف للطبع. وقد كان ينوي طبعه قبيل وفاته أضاف في آخر كل ترجمة ترجمة تعقيبا صغيرا تحت كل منهما، يبين فيه ما أصبح عليه المترجم بعد الاستقلال وأعماله التي يمارسها.
هكذا بينا معاملة المؤلف مع التراجم المذكورة في الجزء الثاني من الكتاب، وسيقرأ معنا القارئ في صفحة هذا العدد مقدمته وكذا الديباجة التي وجدناها في الصفحة الأولى منه ثم نأتي ببعض ما جاء من أفواه بعض الوطنيين عن مستفادهم من الاعتقال وما صرح به كل واحد منهم، على أن نبين في حلقة العدد القادم جواب بعضهم على إحدى الأسئلة التي سألهم المؤلف عنها.
وفي ختام هذا الموجز الذي عرفنا به هذا الكتاب النفيس المؤرخ لفترة من فترات المغرب الماجدة، والذي يبين كيف انتشرت الوطنية والأسباب الخاصة لذيوعها وما قام به كل فرد من الأفراد على حد تعبير المؤلف نقول بأننا ما أتينا استحضرنا فيه تزامنه مع الذكرى الخمسينية لاستقلال المغرب ليعلم أبناء هذا الجيل ما قاساه الذين كانوا السبب في استرجاع الحرية.
العلامة محمد المختار السوسي.. المؤرخ للوطنية..مستفاد معتقلي أغبالو نكردوس
هذه شهادات تاريخية من أفواه بعض معتقلي اغبالو نكردوس ننقلها هنا حسب ما دونه العلامة محمد المختار السوسي في مخطوط كتاب الجزء الثاني من معتقل الصحراء نأتي أولا بمقدمة المخطوط ثم ما استفاده بعض المعتقلين.
الحمد لله الذي يمن على عباده بما يشاء فضلا منه ومنة، والصلاة والسلام على حامل لواء الحمد بين أتباعه إلى الجنة، وبين التابعين لهم ممن ساروا على محجة السنة.
أما بعد: فإننا الآن لنقضي حياة ما كنا نحلم بها في هذه الحياة التي نكدها علينا ما نحن فيه من أنكاد الاستعمار، ونرى بأعيننا عيانا كيف تنقلب النقم نعما، مع أننا في قطر مني من اليد الضاغطة العاركة الجائعة بما لم يمن به أي قطر آخر من الأقطار، فقد أبعدنا ولا ذنب لنا إلا ما نتعالى إليه من تطلب جو نتنفس فيه كما نريد، فوزعنا ما شاء الله في مراكز هذه الصحراء طرائق قددا، بل وحدانا يفرد كل واحد في بيت مغلق الباب، ثم لما أجليت قداح المكيدة وأحكمت عقدة المكر، رأى الطغاة أن يدهنوا حبل هذا الأسر بدهان لعل ذلك يتخذ في يوم ما كحجة للامتنان، فجمعونا في هذا المعتقل المسيج المسدود، هذا الجمع المحشود، كذلك مكروا مكرا كبارا، ليروننا في صورة الإقبال إدبارا، إلا أن الله الذي كان بأمثالهم خير الماكرين، هيأ لنا من ذلك ما هيأ برحمته وبفضله، لعلنا نكون من الشاكرين، فتهيأت لنا نعم كدنا نتخم بها ونبشم، فما شئت من إخوان على سرر متقابلين، وأئمة علماء متباحثين مفيدين ومستفيدين، بله ما وراء ذلك من المؤانسة التي هي روح الاجتماع، فقد امتزجنا قلوبا لقلوب، وطباعا لطباع، كأنما خلق الكل من طبع واحد، فلا حضري ولا بدوي، ولا
عربي ولا بربري، فالكل مسلمون مغاربة إحساسا موحدا، وشعورا كأنما أفرغنا في قالب واحد إفراغا، وتلك نعمة ما مثلها نعمة، توتي أكلها الآن، وما ستوتيه بعد الآن أكثر، والمستقبل كشاف.
إن هنا فاسيين ومكناسيين ووجديين ورباطيين وبيضاويين وجديديين وسوسيين وأطلسيين وبركانيين، إن هنا لعواطف ومشاعر، إن هنا لمعارف وعوارف، إن هنا لأفكارا وعبقرية، إن هنا لحماسة وإقداما، إن هنا ما هنا مما تشهد به الحواس الخمس الآن، ثم تلمس آثاره غدا، وإن غدا لناظره قريب، أليس الصبح بقريب.
أفيجمل باليراع أن لا يسجل قدر المستطاع هذه الشخصيات، وأن لا يقدم لما سيتحدث به في اليوم القريب عن معتقل أغبالو نكردوس يوم يتحدث عن المعتقلات، ما يمكن من إلقاء ضوء على منابت هذه السرحات الفينانة، ومنابع هذه السيول الدافقة من رجال عظام، وعلماء أعلام، ومفكرين سياسيين، ووطنيين ذوي غيرة خارقة، فلئن لم يفعل اليراع فستكون عليه لائمة آخر الدهر، ومن الهفوات ما لا يكفر.
فهيا أيها اليراع لأداء بعض الواجب، ثم افتح بفطاحل فاس والكل في فاس ثم بأهل مكناس ووجدة والرباط فالبيضاء فالجديدة، ثم نختم بخاتم المسك، السابقين إلى كل عليا أبناء الأطلس الشامخ (إنما الأعمال بخواتمها).
فإلى الأمام إلى الأمام، والله المستعان وعليه التكلان.
محمد المختار
السيد عبد الكريم بن جلون الفاسي
ما المستفاد من هذه المحن: قال: استفدت حقيقة أعظم استفادة، ما كنت لأستفيدها لولا هذه الحركات بالمحن، فقد مر بي في (أملاكو) عذاب مستطير صهرني صهرا، لاقيت منه ما لاقيت، ولكن العاقبة صارت محمودة غاية الحمد، فقد تقوى الشعور وانبعثت الروح، ونلت لذة عظمى بكل ما عانيت، فالآن صرت أشعر بل أوقن بأن تلك النظرة التي كانت الحضارة الغربية تلهمنا إياها لنتصور بها الأشياء، عادت تلك النظرة أمامنا الآن ساقطة منحطة ناقصة لا تصلح لنا ولا نصلح لها، فقد كنت قبل ربما أتصور أننا قد ننتفع ونترقى على غرار تلك الحضارة، ولكنني الآن وصلت إلى أن تلك الحضارة لا تجرنا إلا إلى الإفلاس من كل ناحية، كما جرت أهلها أنفسهم، فإنها الآن في أواخر أيامها، ولم يبق منها إلا البرق الخاطف، وأما الروح التي تنفع الإنسانية فقد فقدتها منذ فقدت روح الأديان، ورحمة القلوب وفيض العاطفة، وأنا أجزم الآن أن شعبنا لا يمكن أن ينهض إلا بالدين الإسلامي المنتقى من الخرافات والجمود، ولذلك أقبلت الآن على دراسته في ينابيعه الصافية، لعلي أشارك بين القادة الذين سيقودون الحملة إلى الأمام، وأحمد الله حين صرت الآن عمليا بعد ما كنت وسط الأشغال أجعل العمل
الديني من باب الثانويات، فلأشكر هذه المحنة التي أجتر الآن حلاوتها بعدما كنت في وقتها أتجرع مرارتها، فأنا الآن أشعر بأنني على رأس الصراط السوي، وفقنا الله على لزومه، فننتفع وننفع ونكون أئمة يقتدي الناس بنا.
أبو المزايا سيدي إبراهيم الكتاني
ماذا استفاد من هذه المحن: قال: إن المومن المولع بالاستفادة من كل شيء، لكثير الاستفادات من النعم المشكورة، وكيف لا يستفيد كثيرا من العوارك التي تلقى عليه المصابرات فيها دروسا حية متتابعة يأخذ بعضها برقاب بعض، أفيمكن لي أن أعد ما استفدت من هذه الحلقات المتصلات من السجون؟ ولكن إن لم يكن لي إلا أن أجيل نظرة خاطفة فهاك رؤوس ما استفدته:
أولا: أدرك أن العمل في ضمن الجماعة من الإخوان العاملين في سبيل الوطن خاصة، هو العمل المجدي الذي يرتاح معه الضمير، ويهجم على الإنسان فيه من الاستجلاء والاستلذاذ ما يهجم عليه وهو في بحبوحة مقاساة الشدائد، فقد مر بي ما مر في حوادث 1937 وسنة ,1943 ثم بعد ذلك مر بي هذا الاعتقال، فشتان ما بين الحالتين…
ثانيا: ازدياد ثقتي بلطف الله ورحمته، فكم نعم أدرها بين نعم، وغمة كشفها بعد أن أيست من آفاقها آمال الهمم…
ثالثا: زيادة الإيقان بأن المقاومة بالعمل الحثيث هو الدواء الوحيد لقضيتنا، وإن العمل لابد أن يثمر عاجلا في كل ما يلمسه الإنسان العامل، كما أنه بلا ريب بفضل الله يثمر آجلا يوم يبلغ الكتاب أجله…
رابعا: اتساع عظيم في المعارف، فقد أمكنت لي في المعتقل مدارسة أشياء ما كانت لتتهيأ والإنسان غريق في أعماله المعهودة وهو مطلق السراح، ومن أجلها التمشي في اللغة الفرنسية… زيادة على مدارسة القرآن.. إلى غير هذه من نعم لا تعد ولا تحصى، وكان فضل الله عليك عظيما.
بتصرف
الأستاذ عمور المكناسي
ما استفاده من المعتقل: قال: كانت صحتي كادت تنهار لما لاقيته من 1950 ونحن في الاجتماعات والمشادة مع الفرنسيين، فلولا أن الله قلب تلك الصفحة إلى هذه الصفحة الجديدة، لربما زهقت روحي لما أحس به، فيكون أول ما استفدته من هذا الاعتقال هي ربح حياتي الممتدة إلى الآن، فقد تحملت الأعصاب من جسدي ما لا يطاق، ولما جاء الاعتقال استرحت من كل ذلك، ولأصعب على الإنسان من انهيار الأعصاب، ولأهدأ للجسم من ارتياح الأعصاب، وكيف لا والأعصاب هي الجسم كله.
الخطيب سيدي عبد الهادي الحلو الرباطي
ماذا استفاد من الاعتقال: قال: استفدت استعدادا نفسانيا، وأن أتكل على نفسي في كل أموري، فقد كنت ألفت أن أْخدَم فصرت أخدِم، ومن كان يظنني أن أكون خادما لمن كنت معهم أغسل لهم الأواني، وأقوم لهم بكل ما يحتاجون إليه، كخادم يومر فيطيع عن طواعية، وكذلك استفدت في مخالطتي هذه أن أعرف الرجال بالحق، لا الحق بالرجال، فقد كنا نحسب كل بيضاء شحمة، ولكن الغشاوة زالت الآن عن العين، وكذلك أدركت أن الوطنية بلا دين كشبح بلا روح وأن الرجولة لا تكون إلا بالروح لا بالشبح، فكم غلطنا في ذلك أزمانا، فالآن عرفنا أن الالتجاء إلى الله والاعتماد عليه مع الأسباب هو الوطنية الحق:
فهذا الحق ليس به خفاء فدعني من بنيات الطريق
وبعد كل ذلك استفدت من العلوم العربية نحوا ولغة وسيرة النبي والحديث والتفسير والفقه، ما كنت أعلم أنني منه صفر، فها أنذا أطالع بكل نشاط، فهل يكون كل هذا لولا هذا الاعتقال المبارك.
النابغة المهدي بن بركة الرباطي
ما استفاده من الأزمة: قال: استفدت التفرغ لدراسة مواد كنت دائما أتشوف لدراستها وهي في الاقتصادية والاجتماعية (وقد ابتهج حين أمكن أن يتصل بمعهد الدروس الاقتصادية والاجتماعية بباريس، فلم تنقطع هذه المراسلة طوال هذه السنين)، قال: ثم تعلمت أيضا التحمل والصبر للشدائد، وتنظيم الحياة لأمر بعيد على أساس الدروس والبحث العلمي.
السيد علي بركاش الرباطي
ما استفاده من الاعتقال: قال: إن أكبر ما استفدته إدراك الحياة التي يعيش فيها الشعب، ومعلوم أن من كان ناشئا في الرفاهية وسعة العيش، معه الخول وكل من يمدونه ويخدمونه كما يريد ويقترح، لا يمكن له أن يذوق مرارة حياة المسكنة والفقر والإعواز إلا في مثل هذا الاعتقال الذي عومل فيه مثل تلك المعاملة الشاذة، وحين ذاقها الآن صار يقدر قدر ما كان يجده دائما في داره التي تعج بالخيرات، والفرش والخدم وسعة ذات اليد، قال: إنني أحمد الله على أن عرفت كل هذا ولمسته اليوم لمسا، وكذلك قال إنه استفاد أن الالتجاء إلى الله هو الباب الوحيد في الأزمات، وكفى بذلك فائدة.
الأستاذ محمد الحلو الرباطي
ما استفاده من الاعتقال: قال: لا أحصي الفوائد، وإن كان في مقدمتها معرفة شخصيات مغربية ما كنت أحلم بمعرفتها، لولا اجتماعنا هنا معها، ثم أنني استفدت كثيرا في العربية وفي غيرها من اللغات، كما تأتى لي أن أطالع كثيرا في هذا الفراغ، وقد كنت أحب المطالعة، ولكن أين الفراغ؟ كذلك استفدت معرفة ناصية من المغرب كنت أجهلها، واستفدت اتساع الصدر، ومعرفة المعاشرة مع الطبقات، على أن أكبر ما استفدته معرفة ضرر النفاق، فعاهدت الله أن لا أنافق أبدا ما عشت.
المكي بادو المكناسي
ما استفاده: قال: إنني استفدت كثيرا أولا: استعرضت حياتي وما ارتكبته من أغلاط، ففارقت بين الماضي والحاضر، ثم حاولت علاج ما أمكن علاجه، ثانيا: استفدت أن الحياة الروحية هي الحياة أو هي التي ينبغي أن تكون محور حياة الإنسان، إذا أراد أن يكون سيدا في هذه الحياة الدنيا وفي الحياة الأخرى، ثالثا: استفدت من المطالعة من مختلفي النواحي من كتب مختلفة المشارب.
الشاعر فضول الصائغ المكناسي
ما استفاده من المعتقل: قال: استفدت التحمل ومصابرة الأيام، وكيف أعاشر من هم فوقي ومن هم أقراني، كما أن السذاجة التي تلازمنا نحن أهل الحواضر من غير أن نشعر، صارت تنقشع عني بعدما عاشرنا هنا من أبناء البادية هؤلاء الأفاضل، ممن كنا نجهل قبل كيف نفسيتهم، ثم عرفناهم اليوم، فإذا هي راقية صافية لا تغازل إلى المعالي.
السيد محمد الشرائبي
ما استفاده من الاعتقال: قال: استفدت كثيرا وأعظمها مخالطة الأفاضل، ومعلومات كثيرة، ورؤية جوانب من قطرنا ما كنا نعرفها، وشاهدنا من إخواننا البربر كيف يتعاملون، وذلك كله ليس بقليل.
أحمد اليزيدي الرباطي
ما استفاده من الاعتقال: قال: ما استفدته في هذا الاعتقال كثير، ولكن أعظم ما استفدت هذه المعارف التي يسرها الله لي، حتى تقدمت في العربية خطوات،كما استفدت تعرفي بكثير من الإخوان من مختلفي الطبقات، ومن جهات شتى من وطني المتسع، وأما ما استفدته من الأخلاق فاتساع صدر كنت إليه في أشد حاجة، حتى قدرت الآن أن أتحمل ما لم أكن أتحمله قبل هذا الاعتقال.
السيد مصطفى حوسا حفيد القائد
موحا بن حمو الزياني
ما استفاد من معتقله: قال: استفدت كثيرا، عرفنا مقدار الحياة وقد كنا في غفلة من محاسنها ومباهجها، كما استفدنا من الدروس التي تلقينا منها معلومات ما كنا لنحيا حياة مطمئنة لو فاتتنا، وأما من جهة الأخلاق فقد قدرت أن أضبط نفسي، وأن أجعل نفسي سواسية بين الناس، وكفى بالتواضع فائدة كبرى.
الشريف الكريم سيدي قاسم العراقي الجديدي
ما استفاده من الاعتقال: قال: إن المحنة أولا تزيد الإيمان وتثبته، وتعلم أن الله يأخذ من الظالم، وأن دوام الحال من المحال، وقد عرفنا الآن أننا مشرفون على أمنيتنا، وقد ألهمنا الصبر في الكوارث، والله مع الصابرين، كما استفدت معلومات من المعارف المختلفة، كما خالطت وقدرت قدر الرجال، حتى أنني أدركت مقدار غلطتنا نحن الحضريين، كما استفدت أن الفكرة لا يعرف بها الرجل، بل إنما يعرف بمخالطته.
الأستاذ مصطفى المشرفي الوجدي
ما استفاده من الاعتقال: قال استفدت راحة البدن والفكر، لأنني لاقيت قبل ذلك بخمس سنوات عرق القربة ليل نهار في المدرسة، كما استفدت دراسة النفسيات من مختلف الطبقات التي اعتقلت معها، واستفدت التعارف مع رجال ما كنت لأجدهم كما أريد، واستفدت معارف جمة غير ذلك (وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها).
السيد محمد برو الميدلتي
ما استفاده من الاعتقال: قال: إن أعظم ما استفدته شيئان: أولهما تعود الصلاة في وقتها، واستحلاء الوقوف أمام ربي خاشعا منيبا، ولو كان أبي يراني الآن لاستطير فرحا، (وأبوه من المتدينين الذين لا يرون إلا الدين خيرحلة)، وثانيهما أخذي بقسط من العربية… ثم قال كلاما آخر مدلوله: أنه تعلم كيف يعاشر ويخالق، وإن كان هو ظن ذلك نفاقا، مع أن ذلك هو كمال الرجل، فحسن المعاشرة شيء والنفاق شيء آخر، وقد التبس الأمران عليه، فأرسلها زفرة فقال: إلا أنني تعلمت مع ذلك كله النفاق، وما أخطاه نظرا يعذر معه، في الوقت الذي يعترف له بالصراحة التامة.
الشريف مولاي الحسن الإذزري
ما استفاده من الاعتقال: حاولت أن أستخرج منه تصريحا ما استفاده في الأخلاق وفي المعارف وفي اتساع الصدر لكل الطبقات من الناس، فأبى وقال: إنني مصاحبك وملازمك، وقد اطلعت مني على كل شيء، فقل عني ما تشاء، فإنك ناقد بصير…
الشريف مولاي أحمد التبر
ما استفاده من المعتقل: قال: أكبر ما استفدته هنا ولا أزال أستفيده، هو الاتساع في المعلومات التي كنت إليها عطشان، ثم ما أدركته هنا من مخالطة رجال كنا نسمع لهم فعاشرناهم حتى اكتسبنا تاريخهم وتاريخ غير المغرب، والحاصل أن الله أكرمنا بهذا المجتمع، إذ عرفنا كيف نستفيد دائما من كل ما يصيبنا، فإن المصائب مفاتيح العقول.
الحاج الحسين الأزرويي
ما استفاده من الاعتقال: قال: استفدت كثيرا جدا، فلم أكن أكتب ولا أقرأ، فها أنذا أكتب وأقرأ، وأستطيع أن أقرأ في المصحف، وقد وظفت على نفسي فيه جزءا معلوما، كذلك استفدت معرفة الرجال، وخالطت من لا أكون لأتصل بهم لولا هذا الاعتقال، فقد تعلمت حتى زالت عني غصة كانت دائما في حلقي كلما رأيت الناس يقرأون وما ذلك إلا ببركة الرجال الذين وجدناهم هنا.
سيدي سعيد بن الحسين القصيبي
ما استفاده من المحنة: قال: أول ما استفدت صحة العقيدة، وملازمة الصلاة واستحلاء التدين ومعرفة ما يجب نحو ربي وشعبي وملكي، وقد كنت قبلا لا أعرف من الصلاة إلا رسومها، واستفدت ثانيا بعض قواعد اللغة العربية واستفدت ثالثا رجالا عظماء من هؤلاء الذين اجتمعت معهم هناك.
مولاي أحمد المريرتي الأستاذ
ما استفاده من الاعتقال: قال أول ما استفدت أن السجن ليس كما يتوهم كل من لم يمر به بعد، فإن الألطاف لا تفارقه بالكلية، ومن كانت له عزيمة وثبات وثقافة وروحانية لا يفقد روحا من الأزمات، كما استفدت أن دهماء الأمة نحو المسجونين كلها عطف، وليس إلا في أقلية متحجرة والخير والحمد لله لا يزال في كل أفراد الشعب.
مجموع ساذج حرصت أن أجمع فيه تراجم من اجتمعت معهم في هذا المعتقل، الذي ما أحدثته الحكومة إلا لنا، وقد بنته باستعجال يوم عزمها على الفتك بالعرش المغربي، وضربه الضربة الأخيرة فيما تزعم ولا قصد إلا أن يجتمع هؤلاء في التاريخ كما جمعتهم هذه الظروف، وقد حرصت فيما كتبته على كل ما يفيد قضيتنا، فأبين كيف انتشرت الوطنية، والأسباب الخاصة لذيوعها، وما قام به كل فرد من هؤلاء الأفراد، من أعمال يجب أن تسجل للجيل القريب، وفي الكتاب من الحقائق ما ربما لا يوجد في غيره، يوم يفتش عن أمثالها، كما حرصت أن لا أذكر إلا المحاسن للمترجمين، لأنني أنا لم أر من المجموع إلا المحاسن، وإن كنت أومئ إيماءة خفيفة إلى غير المحاسن، إذا كانت الترجمة للرجل لا تتم إلا بذلك، والعجيب أن كل واحد يريد أن لا تذكر إلا محاسنه فقط، في الوقت الذي ينتقد فيه على المؤرخ لماذا لا يذكر مساوئ غيره، ويعد ذلك تقصيرا من المؤرخ، فهلا ساوى غيره بنفسه، وقديما قال علي: >خير فيمن لا يرى لك ما يرى لنفسه<
محمد المختار
نقلناه من الصفحة الأولى تحت العنوان الرئيسي الناشر