الرسالة الكبرى ورسالة الأجوبة البادية الحاضرة

Home / المقالات / الرسالة الكبرى ورسالة الأجوبة البادية الحاضرة
الرسالة الكبرى ورسالة الأجوبة البادية الحاضرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الرسالة الكبرى ورسالة الأجوبة البادية الحاضرة

قراءة نقدية مقارنة[1]

أ.د. محمد خليل

في الفاتح من شهر ذي الحجة من سنة 1096هـ. كتب المفكر والأديب العلامة أبو علي الحسن اليوسي [ 1040 ـ 1104؟ هـ] رسالة إلى السلطان العلوي المولى إسماعيل، جوابا عن كتاب تلقاه منه يعاتبه و« يرميه فيه بالتهرب من التدريس في الحواضر, وتضييع العلم, وادعاء التصوف, والعصيان, والعصبية, وأشياء أخرى يجيب [عنها][2] اليوسي فقرة فقرة وبالتفصيل »[3]. وقد اشتهرت هذه الرسالة باسم ” الرسالة الكبرى “[4].

وفي أواخر سنة 1356هـ[5]. كتب المفكر والأديب العلامة محمد المختار السوسي [1318 ـ 1383هـ/1900 ـ 1963م]. رسالة كانت من وحي الرسالة الكبرى. أسماها: ” الأجوبة البادية الحاضرة في تفضيل الحاضرة اليوم لمثلي على البادية “. وقد بين الكاتب سبب كتابتها فقال: « الحمد لله الذي جعل الإنسان مدنيا بالطبع. وجعله متعاليا إلى التعاون في كل أمور معاشه لا يستغني فرد أيا كان عن الجمع, والصلاة والسلام على من أنشأه باريه في حاضرة العرب (مكة) المشرفة ثم جعل مهاجره (يثرب) ذات النخل الباسق والبساتين الغلب الأشبة الأفنان المفوفة, وعلى آله وأصحابه الذين رفعوا ألوية الدين في حواضر الشرقين الأدنى والأقصى […] أما بعد. ففي أواخر عام 1356هـ. صلى معنا الظهر في زاويتنا الأستاذ سيدي عبد الله بن إبراهيم ابن العم, فوجد في يدي[…]الرسالة الكبرى للإمام اليوسي. وهي التي أجاب بها الرسالة الموجهة إليه من حضرة المولى إسماعيل. وفيما تتضمنه لومه على سكنى البادية وتفضيلها على الحاضرة. فأجابه الإمام المذكور بفصل طويل بيّن فيه الحامل له على ذلك. ولا بأس أن نورد ذلك الفصل برمته. لأن فيه من تفضيل البادية إذ ذاك لليوسي ما كان ابن العم يستحسنه غاية. وأنا أتلوه عليه»[6].

لفت انتباهنا في هاتين الرسالتين أمور عدة. أهمها:

1 ) كون الحسن اليوسي في رسالته يناقش السلطان المولى إسماعيل وبالحجة الدامغة في الاتهامات الواردة في الرسالة السلطانية التي أراد بها المولى إسماعيل إقناع أبي علي اليوسي للتراجع عن قراره القاضي باستقراره النهائي في البادية بعيدا الحواضر. وقد بذل اليوسي جهدا واضحا في شرح الدوافع التي حملته على مغادرة مدينة فاس نهائيا.

2 ) قيام محمد المختار السوسي بمناقشة أبي علي اليوسي، مناقشة هادئة وغير مباشرة في آرائه حول تفضيله سكنى البادية على السكنى الحاضرة. أبانت عن عمق وعلو مستواه الفكري.

 

مضمون الرسالة الكبرى:

استهلها بمقدمة تناول فيها ما يلي:

1 ـ الافتتاح بالاحترام الواجب للسلطان الذي جاء فيه قوله: «مركز المجد والسنا، ومأزر الحمد والثنا، وينبوع المحاسن والمفاخر، ومجمع المحامد والمآثر، السلطان الأعظم، الأجل الأفخم، أبو الثنا، مولانا إسماعيل ابن مولانا الشريف…»[7]

2 ـ إبراز الأسباب التي جعلته يتلكأ في الجواب عن الرسائل التي أرسلها إليه السلطان، وهي:

ـ «أحدها:الهيبة، فإن مقام السلطان أجل في النفوس من أن يخاطب بكلام، أو يراجع في مرام»[8].

         ـ « ثانيها:التفادي عن عادية القول والبلاء الموكلين بالمنطق، ويقال من كثر كلامه كثر سقطه»[9].

ـ « ثالثها:ما يخشى من اعتقاد سيدنا أنا نريد مراجعته أو محاجته أو منازعته»[10].

3 ـ الجواب عن كتاب السلطان«لا ينبغي أن يهمل، ولعل فيه إن شاء الله فوائد تُفصّل فُتحصّل»[11]. مما يستوجب توخي الحد المقبول من الصراحة والوضوح، سيرا « في ذلك على سيرة العلماء، في الشروح والحواشي، على كلام من قبلهم من الأئمة ـ رضي الله عنهم ـ فإنهم يتكلمون بحثا وفهما على مقتضى العبارة من غير أن ينتسب في ذلك طعن ولا نقص للمتكلم، بل هو بمعزل عن ذلك، فالكلام إنما هو مع الكلام لا مع المتكلم […] فلا عيب على العالم ولا على غيره إذا بحث في كلامه بحثا علميا»[12].

بعد هذه المقدمة انتقل الكاتب إلى تناول فقرات الرسالة السلطانية بالرد، إذ يورد نص العبارة موضوع الرد، ثم يعقب عليه بما يراه ضروريا. وقد بلغ عددها عشرين فقرة، وقف الكاتب على كل واحدة ورد عليها حسب ما يراه مناسبا، مدعما ردوده بالحجج التي يرى أنها تفي بالمراد. ولنقف على عدد منها:

ـ الفقرة الأولى: « أما قول الكتاب: إنما نريد أن تقبل منا الحق، فأقول: إني أعتقد أني إن لم أقبل الحق من عبد أو أمة أو صبي أو معتوه، لا أعد نفسي مؤمنا، فكيف لا أقبل الحق من سلطان المسلمين أصلحه الله وأصلح به. وقوله: لا نقول لك إلا حقا، فأقول: ومن هو أولى بهذا من السلطان، وقد جعله الله على رقاب عبيده، وأمة نبيه، يسعى في صلاح أمورها بقوله وفعله، وبسط له في اللسان واليد، فحقيق ألا يقول إلا حقا، ولا يسعى إلا في الحق، ولا شك أن السلطان أيده الله عارف بالحق، قادر على قول الحق: ولا بد أن يُعلم أن الحق بالشرع يعرف لا بالعقل، وقد حكّم قوم العقول فضلّوا وأضلّوا، نعوذ بالله ونعيذ به سيدنا من مذاهبهم. فالحق عند أهل الحق هو ما جعله الله حقا، ويعرف ذلك بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وقياس الأئمة…»[13]. مستشهدا على ما قاله في هذا الرد بآيات بينات من القرآن الكريم وبأحاديث نبوية شريفة. ثم وقف وقفة متأنية لإبراز دور العلماء في هذا الجانب قائلا: « ثم إن هذا مأخوذ من أيدي العلماء، فإنهم حملته، والأمناء عليه، وغيرهم يقلدهم فيه، ولا يحل لأحد غيرهم أن يخوض في شيء منه، ما لم يأخذ عنهم. قال تعالى: }فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{…»[14]. ملحا على ضرورة اقتداء أبناء الأمة بالعلماء بمن فيهم الملوك، لأن « الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك»[15].

أما الفقرتان الثانية والثالثة فقد خصصتا لتناول مكانة العلم والعلماء في الأمة، وذلك بناء على ما أخذته الرسالة السلطانية على اليوسي من خروجه عن عادة العلماء في مصاحبتهم للملوك، وبقائهم في خدمتهم. ونقف هنا على الفقرة الثالثة[16]. التي استهلها بما استهل به باقي ردوده على فقرات الرسالة السلطانية، فقال:

« وأما قول الكتاب: ومن قديم الزمان لا تعرف العلماء إلا مع الملوك الخ… فأقول: لا شك أنه لم تخل مملكة بحمد الله من علماء ينفع الله بهم من هداه لطاعته، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق r حيث قال: }لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم{  قال الأئمة وهم أهل العلم، لأن أول الحديث وهو قوله r: }من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين{ دال على ذلك[…]أما صحبة الملوك، وملازمة أبوابهم ومجالسهم وطعامهم، فليس في العلماء على العموم ولا اللزوم، بل لم يزالوا تختلف أحوالهم في ذلك، فمنهم من يسارع إلى أبواب الملوك وهم الأقل، ومنهم من يتجافى عن ذلك وهم الأكثر[…]والذي يجب إعلام السلطان به نصحا لينصح به نفسه وغيره من المؤمنين، أن أكثر انتفاع الطلبة وأهل المسائل من العامة والخاصة، إنما هو من المنقبض الجالس في داره أو في بيت من بيوت الله، فحيث ما جاء متعلم أو سائل وجده، ويصل إليه المسكين والعجوز، ويباحث الطلبة حتى يقف على التحقيق، ولا يرهبونه ولا يستنكرونه ولا يتهمونه، والمخالط بخلاف هذا كله، فإن أكثر أوقاته تذهب في الطلوع والهبوط[…]ولا شك أنه يجوز أن يكون في صحبة الملوك من هو صحيح الدين قائل بالحق، واقف عنده ينفع الله به وبتنبيهه، ولكنه أعز من الكبريت الأحمر، والغالب عليهم رقة الديانة وطلب المرضاة في كل شيء[…]ويقال: خير الملوك الزوارون للعلماء، وشر العلماء الزوارون للملوك. وليس في شيء من هذا منقصة للملوك بل لهؤلاء المتورطين، وذلك أن الملوك اقتحموا لجور الدنيا وتحملوا سياسة الناس واستصلاحهم، وبصلاحهم يصلح دينهم[…]ثم لا ينبغي للسلطان أن يصحب كل واحد، وهذه نصيحة أخرى لسلطاننا لا نبخل عليه بها، والحديث ذو شجون، بل من يصلح للصحبة وهم أهل الأدب والفهم والظرف الفصاح الألسن، الصباح الوجوه[…]»[17].

يختم الكاتب رسالته بقوله: «هذا ما احتيج إليه من الكلام، على مقتضى الكلام. ولو ترك القطا لنام، وإنما تعرضت لذلك مساعفة للسلطان في قوله: ” إن كان عندك ما تقوله فقله “، وأجبنا عن هذا حرفا حرفا، فتكلمت على ما لا بد منه وتركت من الكلام أكثره، لعدم الحاجة إليه، أو لتعذر ذكره، وعندي والحمد لله ما أقول. فأي شيء يعوزني لو أردت القول؟: اللسان عربي، والمعقول والمنقول تحت جنبي، وأستغفر الله من هذا، وأعترف على نفسي أني أضعف الناس وأجهل الناس. وأني منقاد إلى السلطان سميع مطيع، وتجنبي للسلطان ليس بغضا فيه، بل لافتراق الدار، فأنا في بلد وهو في آخر. ولأني لا أقوى على تلك الأبواب، ولا يألفها طبعي، ولا أصلح لها ولا تصلح لي، ولها قوم غيري:

وللحقائـق أقـوام لـهـا خـلـقــوا      وللـحـروب لـدى الهيـجـاء فـرسـان

وإلا فأنا أحب السلطان من ثلاثة أوجه:

الأول: النسب فإنا أمرنا بحب أهل البيت النبوي.

 الثاني: الوجاهة فإنه كبير المسلمين، وقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، فنعظم من عظمه الله تعالى.

الثالث: فإنه قد وقرنا واحترم عيالنا، وكان يحملنا إذا رحلنا، والإحسان يشكر والصنائع تذكر[…]

وبعد هذه الأوجه الثلاثة، فالأفعال والمعاملة تزيد حبا أو تنقصه، ولما كانت البواعث النفسانية في كثير من الخلق أقوى، كانت المحبة الدنيوية أظهر آثارا وأكثر ثمارا. والناقد بصير، وإلى الله المصير. وكتب أول ذي الحجة الحرام من سنة ستة وتسعين وألف. الحسن بن مسعود كان الله له آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم»[18].

يتضح لنا أن اليوسي كان صريحا إلى درجة العنف في الرد عن ” اتهامات المولى إسماعيل “، شأنه في ذلك شأنه في جميع فقرات الرسالة،

=+=+=+=

أما الفقرة الرابعة فهي التي تناولها محمد المختار السوسي بالمناقشة، لأنها هي التي خصصها اليوسي لإيضاح الأسباب التي حملته على تفضيل سكنى البادية، وهي التي نالت الحيز الأكبر في هذه الرسالة[19]. ونقتصر فيها على الجزء الذي أورده السوسي. يقول فيه اليوسي:

« وأما قول الكتاب: ” أين تجد السبيل في التباعد والتجافي عن حواضر المسلمين؟ ” إلى قوله: ” أي عذر لك في التباعد عن حاضرتنا؟ ” ثم قال بعد كلام أجاب به عن سكنى زاوية انتقل إليها من (فاس) بإذن السلطان: ” وأما عذري في استثقال الحاضرة، فوجوه كثيرة، أقتصر في بعضها. فمنها:

ـ الطبع، فإني لم أولد فيها، بل في الفجاج الواسعة، بين الشيح والريح، والجنوب والشمال. فأي عجب إذا حننت إلى مسقط رأسي، ومحل جنسي؟ وفي الحديث الكريم: }حب الوطن من الإيمان{. وقال الحكماء: ” الكريم يحن إلى جنابه كما يحن الأسد إلى غابه “.[…] قيل لبعض الحكماء: بأي شيء تعرف وفاء الرجل، وذمام عهده، دون تجربة واختبار؟قال: بحنينه إلى أوطانه، وتشوفه إلى إخوانه، وتلهفه على ما مضى من زمانه ” […] وقد قال r في امرأة دخلت عليه فهش لها: }إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان{ […].

ـ ومنها الضيق في المسكن وفي المعاش، فإن الحاضرة دارة مسورة، لا يزاد فيها ولا ينقص، فمن دخل دارا لم تكفه هو وعياله وأولاده ومن تعلق به، ولو كانت في غاية الاتساع، ووجب أن يرى ما لا يجوز له أن يراه، ممن هو معه، أو من يدخل عليه، وفي ذلك فساد للدين، أو من يحتشم منه، وفي ذلك فساد للمروءة والعرض، […] وكذا في المعاش، فإن كل شيء بالشراء، حتى الماء الذي هو أسهل الأشياء، فلا بد له من نفقة فيه.

ـ ومنها فساد طبع العيال والأولاد والأصحاب، ونخشى ذلك نحن أيضا في أنفسنا من جهات:

1) إحداها: تعلم الشهوات والاتساع فيها. وإنا كما في البادية لا نعرفها، ووجدنا آباءنا يعيشون بما وجدوا فيها قانعين به[…] فلما دخلنا الحاضرة ظهرت الشهوات، ونظرا النساء إلى النساء، والصبيان إلى الصبيان، والرجال إلى الرجال، فطلبوا الاتساع كما اتسعوا وابتُلِينا كما ابتُلُوا.

2) ثانيها: الوقاحة في ذلك. وقلة الحياء، فقد كنا في البادية تستحي المرأة أن تطلب اللحم فكيف بما وراءه، ولكن تتشوف إلى المواسم أو ضيف ينزل، فيذبح له أو يشترى له، أو إنفاق يأتي به الله من غير استدعاء، فوجدنا المرأة في الحاضرة تراعي الباب. وتقول للرجل:” أنفق وارجع إلى السوق ” فلا تسمع إلا: “شف اللحم، شف الحوت، شف الزعفران” وإن لم يكن ذلك وقع التداعي، وجيء بالرجل إلى القاضي.[…].

3) ثالثها: أن يتعلم الصبيان اللوم والبخل، وقلة السماحة، كما هو دأب الحاضرة، وما فسدت طباع العرب إلا في الحواضر.[…].

ـ ومنها: مقاساة أهلها، والتعرض لإذايتهم وفتنهم، ولاسيما أبناء الجنس. ولقد طلبني مولاي رشيد بالرحيل إلى فاس، وقال: ” تصيب الظل والماء البارد وتأكل الخالص وينتفع بك المسلمون “.[…] فقبلت قول السلطان، وارتحلت بنية صالحة. على أني لا أعلم من جئناهم، وإن كان هناك من هو أسن مني، كسيدي عبد القادر، لقيته وتبركت به، فبت خارج فاس ليلتين، والطلبة يترددون إليّ، فلم أدخل المدينة حتى لم تبق لي نية من كثرة القيل والقال، ثم بدأنا القراءة، فأطبقت علينا الطلبة أهل البلد الغرباء، وكان المجلس حافلا، وكان في غيبة السلطان إلى سوس، فتحرك الحسد، وكثرة القيل والقال، وجعل كل من يجيئني يحذرني من الناس، ومن أكل طعامهم، فما يمكنني أن أشرب ماء ولا أن آكل طعاما من يد أحد ولا أجلس على منصة الكرسي حتى يقلبها أصحابي بلا تفريط. فصرنا في فتنة وبلاء[…]ثم لما رجع السلطان من سوس، وخرجت العطايا للفقهاء، وخرجت العطايا لطلبة العلم، وكانت عطايا الطلبة تنفذ إلى القضاة يتولون قسمها عليهم، فعند ذلك جعل الطلبة يتسللون من مجلسي، ويذهبون حيث كانت العطايا، حتى لم يبق من مجلسي بحمد الله إلا من همته العلم لا الدنيا. وأكثرهم من الغرباء وقليل من أهل البلد. وأهل البلد إنما همتهم في جائزة يقبضونها أو محراب أو كرسي، أو شهادة يتلقونها. ثم لما رآني الناس أطلع إلى السلطان بعض الأحيان، جعلوا يتعلقون بي طلبا للشفاعة، ويثقلون عليّ. وما أحب أن أفتح ذلك الباب على نفسي لأنه يتركني بلا شغل، وإني لا أقدر على ذلك، ولا أصلح له، فإنه يحتاج إلى مزيد حذاقة ولباقة، وحسن تأن وتدرب، وأنا بعيد عن هذا كله، إنما أنا رجل بدوي[…].ثم إن تلك  العطايا كانت تتأخر إلى الشهر والشهرين، وكثير من الأحيان لا تصل إلينا العطية حتى نكون قد أخذنا من السوق أشياء بالدين، مع أني كنت من أكثرهم عطاء، ولكن لم يكن ذلك إلا كماء فاس يدخل ويخرج، حتى خرجنا من فاس ولم يتبعنا درهم واحد من ذلك، ولما مات السلطان انقطع ذلك، فصرنا في فتنة مع العيال، فقلت لأصحابنا: إن هذه الحاضرة ليست لنا بدار مقام[…] وقد تعرضنا لما رأيتم من الفتن من كل ناحية/، حتى لو حققنا النظر لم يجز أن نبقى فيها مع هذا أبدا، قال تعالى:}ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة{[…]فكان خروجنا إلى البادية راجحا وواجبا.

إلى أن قال: «فخرجنا بإذن سيدنا[…]فما في الكتاب من أني ضيعت العلم بسكنى البادية، أو إن الناس قد ضاع حقهم فيّ فقد تبين جوابه بكل ما مر[…].فمتى يجب عليّ دخول الحاضرة، وإلقاء نفسي وعيالي في الحرج والضيق، والفتن التي تقدم شرحها، لكي يجلس إليّ طلاب المناصب والمراتب؟، هذا ما لا يجب ولا يندب، وربما لا يباح أصلا»

انتهى ـ مختصرا ـ كلام اليوسي الذي كان يسمعه ابن العم ذلك النهار أتلوه عليه فأحسه يورده عليّ حججا وبراهين[…]. فأردت أن أزن كلام اليوسي مع ما أذهب إليه، وأزن أقواله هذه بما ترجح عندي، وأن أضع عصره وكل ما حمله على اختيار ما اختاره في كفة، ثم أضع عصري أنا وكل ما حملني على ما أختاره في كفة، فحينئذ يظهر الصبح لذي عينين، ويدرك ابن العم حفظه الله أنني أجبته اليوم بما كنت أجيبه به ذلك النهار بما يحس به أيضا مني[…] فلأجعل ذلك في فصلين ليمكن لنا أن نجمع أطراف الكلام[…]:   

الفصل الأول: في الموازنة بين البادية والحاضرة المطلقتين من هذه الاعتبارات المتعلقة بشخصية اليوسي وشخصيتي[…].

«خلق الله الناس على طباع مختلفة، وبراه في نواياهم ومختاراتهم على طرائق قدد، فمنه من لا يطيب له العيش إلا بالأصحاب والاختلاط والانتقال، لاحتياجه لتبادل الأعمال، وتبادل الآراء. ومنهم من لا يطيب له ذلك، ولا يجد الراحة إلا في الانزواء والابتعاد عن الناس، وفي هدوء مسامعه من جلبات الأصوات، وارتجاج الضوضاء[…]. لا ريب أن، كل من تركبت فيه طباع الأولين، وامتزج ذلك بطينته، وارتكز عليه طيب عيشه الذي حبب له، لا يمكن أن يرى في الذي يستطيبه الثاني إلا مطبقا موصدا، أو قبرا ضيقا، كما أنه لا شك أن من غلب عليه طبع الثاني وما زجه، وتخلل منه مسالك الروح، لا يرى في الذي أعجب به الأول إلا منفى يخرجه من الوجود إلى العدم، ومن الحياة إلى الموت، وهبه ولد في الحضر أو في البدو، فإن الطبع أغلب»[20].

ثم أورد مجموعة من الأمثلة على ذلك اختارها من العصور القديمة والحديثة، ليعزز بها ما ذهب إليه من غلبة الطبائع على سلوك الناس أفرادا وجماعات[21].

وختم هذا الفصل بقوله:«كما خالف الباري بين الطباع، خالف بين استلذاذ الحضارة والبداوة. وإن استطابة ما يستطاب من ذلك أو كراهية ما يكره منه، إنما تستمدان من البيئة، ولا يمكن لمنصف أن يحكم لبيئة على أخرى بحسب طبعه فقط، إلا إذا كان يقصد التندر فقط،، فليترك حينئذ من يصوغ بلسانه ما شاء. فهذا سيد المرسلين تأثر ببيئة مكة في حبه لها وهي واد غير ذي زرع. وفي كراهته لأكل الضب، وفي حكاية نهيه عن تأبير النخل، أدلة لما ذهبنا إليه. ثم هو r لم يجعل طبعه من هذه الناحية شرعا يتبع»[22]

 

الفصل الثاني:

فيما يتعلق بشخصيتي وطبعي من الحضارة والبداوة، وكيف كنت في الأولى والثانية»[23].

أ) مسيرة في الحواضر:

« كنا ذكرنا قبلُ الدواعي التي حملت الشيخ اليوسي رحمه الله على تفضيل سكنى البادية على الحاضرة. وسقنا للقارئ ذلك حتى أدركه كله بتفاصيله. فلنذكر الآن كيف كنت أنا في الحاضرة. وكيف كنت بعد ذلك في البادية. على نحو نسق اليوسي، لتتأتى بذلك الموازنة بين حالتينا معا. كما يريد ابن العم حفظه الله أن يوازن بيننا، وأن يجعل حالتينا معا شرعا وإن كنت أنا لست شيئا مذكورا إزاء اليوسي في علمه الطافح وعلو همته، وروحه القوية، ونظرته الصوفية، وسنه التي بلغ فيها الوقت الذي يميل فيه صاحبه إلى الراحة والقناعة. وما كنت أسمح لنفسي أن أضعني إزاءه بأي وجه. لأن لليوسي في نظري ـ جلالة وعظمة ـ شخصية يتذبذب دونها بكثير أمثالي ممن ليس لهم إزاءه أي صفة يمتون إليه بها، اللهم إلا هذا القلم السيال الذي يمشي على هذا القرطاس، كما له هو أيضا قلم يمشي على قرطاس، وإن كان ما ينتثر من قلمه من الحكم والأمثال، ونوادر الأشعار، ومختلف الآثار، يجعل قلمي سُكَيتا في ميدان كان فيه قلمه مجليا حقيقة، وكم بين السُّكَيت والمُجلِّي»[24].

1 ) « ولدت في البادية وسلخت فيها سبعة عشر ربيعا قبل أن تعرفني الحضارة وأعرفها، فقد دخلت مراكش أول عام 1337هـ، في عشية يوم[…[من الباب الجديد، وهو إذ ذاك كما فتح بقليل من السنوات. فكأن هذا الباب ما فتح وهيئ إلا ليدخل منه تلميذ بدوي قصير النظر، ضيق التفكير، على فرس هملاج قطوف، ثم ليخرج منه منفيا بعد ذلك بتسعة عشر عاما بعدما صار أستاذا متحضرا، يمتد نظره إلى آفاق وأجواء هي أوسع من السماوات والأرضين بكثير، ويتسع تفكيره اتساعا ليس له حد، حتى لا يمكن أن يحده مقياس، وكأن السيارة التي خرجت به رمز لما كان عليه اليوم، إن كان ذلك الهملاج رمزا لما كان عليه أمس[…]. دخلت مراكش وأنا ساذج لا أعرف إلا بيئة طلبة سوس، وإلا بيئة الفقراء أصحاب والدي الذين يقبلون مني رأس ابن شيخهم، على حين  أنهم يدسون في يده ما يدسون[…]. ثم لم يمض ما يمضي حتى انكشف الحجاب، وعرفت أجواز العالم بواسطة المطالعات، والدراسات التاريخية والجغرافية[…]. كما عرفت تقلبات العالم، وأماني كل قومية من القوميات الثائرة على الاستعمار، ودرست الغابر منها والحاضر، فحييت مني أماني، وانبعثت حيويات، فتفتحت أمامي مغاليق لم تكن لتفتح لي لو كنت في البادية، وإن قتلت علوم الفقه والنحو والفرائض والأدب التي يدرسها الإلغيون ومن إليهم بحثا. وإذ ذاك صح فيّ مع الحاضرة ما قاله مجنون ليلى:

أتـاني هواهـا قبل أن أعـرف الهـوى      فـصـادف قـلـبا خالـيا فـتـمكـنـا

ثم ظهر أن الطبع الذي ارتكز في جبلتي لا يوافقه إلا الحضر، وأن البداوة مني ومن سجاياي بمنزلة الدركات من مجاري النجوم الثواقب[…]. وبينما أنا أسبح فيما أنا فيه، إذ جاء الشيخ أبو شعيب الدكالي عام 1342هـ إلى مراكش مع السلطان مولاي يوسف، فتجددت آراء في مجالسه واستحدثت أفكار، وانتسفت معتقدات، فدبت تلك الحياة المذكورة في أجلى مظاهرها، فصار كل شيء مر يُستحلى في طلب المعارف، فقلت إما المعارف وإما القبر»[25].

2 ) « ثم بقيت أيضا في (فاس) ما شاء الله، وأنا أحاول أن أعيد التحصن نحو الفاسيين، كما كنت حاولته نحو المراكشيين[…]. كان مجلس شيخنا القاضي سيد محمد بن العربي العلوي مجمع ذوي الأفكار الجديدة من أبناء القرويينّ، فكنت أسرد عليه (كامل المبرد) و(مقامات الحريري) وأذكر أن أول ما رأيت شاعر الشباب كان إثر قيامنا يوما من مجلس المقامات[…]. وهناك عرفت أبناء فاس الكرام[…] فأكبروني إكبارا استرقوني به. وأشهد أنني عاشرتهم أربع سنوات، فكنت دائما موضع إجلالهم واحترامهم، لأنني أعرف لهم دائما مركزهم وتفوقهم، فانقطعت إلى معاشرتهم[…] فقد آنست من القوم من الأخلاق والعفة والنزاهة والكرم إلى حد الإيثار، ما أشهد به، حتى كنت أطرقهم في ديارهم من غير استئذان، فأُلقى بكل تجلة. كما أنهم أيضا يتخذون بيتي في (البوعنانية) كندوة ينتابونها متى طلعوا إلى الطالعة كل عشية[…] وكم مر لنا هناك في بيتي من أحاديث، ومناظرات ومحاورات وخطب وغيرها»[26].

3 ) «ثم حللت بـ(الرباط) وما أدراك ما (الرباط)، الرباط الذي ترتبط به القلوب، وتنتشب في حسن موقعه وهندامه العيون، فكانت السنة التي قضيتها هناك كسنة العروس في متعتها، علوم ومطالعات وفوائد،  واحترامات وإكبارات[…]. فهذه دروس شيخنا سيدي المدني بن الحسني متعة من متع الفكر، وتلك مجالس الدكالي الشيخ الأكبر، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. وعن يمينها مذاكرات العلامة السائح الذي كثيرا ما أطرقه كل يوم. وبين ذلك مطالعات في كتبٍ نوادر، تمدني بها الخزانة العمومية، والمطابع المصرية، التي تلقي إلينا غوالي المطبوعات تترى. وأما المجلات العلمية فحدث عن البحر ولا حرج. ثم نزه أبي رقراق، وضفاف البحر الفسيحة. ومنتديات الأسمار عند شيخنا سيدي المدني بن الحسني وغيره[…]. بذلك انقضت سنة لا أدري أيمكن لي أن أستعيد مثلها في هذه الحياة أم ننتظرها إلى الفردوس»[27].

4 ) « ثم سبق القدر أن أمثل دور التعليم في (الحمراء) عن غير نية لي سابقة[…]. نزلت (الحمراء) وأنا لا أدري ما أصنع وإنما الذي غلب عليّ وأثر فيّ تأثيرا شديدا، تخلفي عن حلبتي التي التحقت بـ(مصر) تستقي من معينها[…]. ولكن لم تمض لي سنة في (مراكش) حتى تمهدت تلك الطريق التي يعلم خبرها كل أحد، حين قدمتني الأقدار أستاذا، وأنا أُنشِد بيني وبين نفسي:

خلـت الـديـار فسـدت غـير مسـود     ومـن العـناء تـفـردي بـالسـؤدد

[…]صادفت في (الحمراء) نفوسا طيبة، ولدات لا تعرف إلا المنافسة في الميادين ولا يوجد للحسد ذكر في قاموسها، فتسابقنا متساندين، وأقبلنا على خوض المعارف مبتهجين[…].فلم يمض إلا قليل حتى كان هؤلاء (العلماء الجدد) ـ كما يسميهم بعض كبار العلماء المسنين ـ يشقون طريقهم في (مراكش)[…]. فكانت المدارس تؤسس بهم، والمساجد الكبار تفتح أبوابها أمامهم لدروسهم العامة »[28].

5 ) «وفي عام 1350هـ اشتدت رغبتي في الزواج، وقد عرض عليّ شيخ كبير من شيوخي بنته[29] بواسطة من أراه من الناصحين. كما عرض كثيرون غيره بناتهم. حتى كدت أن أقترن ببنت من الفاسيات، وبأخرى من المراكشيات[…]. ولما فيّ من الأنفة أعرضت عن ذلك كله إعراضا لأنني أولا لا أرى أن المجد الذي لم يؤسسه الإنسان لنفسه لا يستحق أن يكون مجدا محققا[…]. وثانيا إن في حلقى حزونة تكون شديدة أحيانا. ولا أحسب أن مثل النساء اللواتي يعرضن عليّ يصبرن لي[…]. وأنا والحمد لله لم أستهتر بمتع الحضارة ولا كان مني تشوف شديد إليها. وكل ما أتمنى أن أجد الراحة وفراغ البال ومن لا يعاكسني في حياتي، ولا يفسد عليَّ حريتي[…]. اقترنت فحاولت أن أبقى بدويا لا يأخذ من الحضارة إلا بمقدار[…]. وقد تيسر لي مسكن إزاء الزاوية في (الرميلة)، فأمكن لنا أن نستريح من كل ما يشتكي منه اليوسي في فاس فلا أسمع مقترحا، فلا (شوف اللحم) ولا (شوف الحوت) ولا (شوف الزعفران) يلج أذني.نقنع بخبز الشعير، والزيت مع الخضر. وبما تيسر من الكسكس. ومتى تيسر لحم فذاك. وكان الخير ـ بحمد الله ـ علينا مطردا […]. وأما سكان حارة (باب دكالة) بـ(مراكش) التي نسكنها، فإننا نلقى منهم ومن رؤسائهم وأعيانهم كل تجلة وإكرام. بما يظهرون لنا به في كل مناسبة. ولم يكن أهل الحاضرة كأهل البادية. يتتبعون الأسئلة عن كل شيء يرونه[…]. فلا مضايقة بالأسئلة الملحفة كما وجدناه هنا في (إلغ). وقد جاورنا إنسان جدارا بجدار. فلم نر منه أدنى تنغيص مع اكتضاض الزاوية بالطلبة وبالواردين. مما لا بد أن يحدث معه ما لا يحمد عادة عند الجيران[…]

هكذا جللتنا الاحترامات من كل ناحية، فالعلماء اللدات يزوروننا ونزورهم، ولا نتبادل إلا صفاء وإخلاصا، بعضهم نعلم ظاهره وباطنه، وبعضهم نقبل ظاهره ولا علينا في باطنه[…] فلا يطرقنا منهم من الكلام الجارح الذي يصل العظم شيء، فإن كانت كلمة صدرت فمست الجلد فلا بأس[…] والمداراة تجبر الكسر، وتمسح عن القلوب ما ربما يلم بها. ولا بد منها في كل صحبة»[30]

6) « إيه نسيت تلك الحياة الأدبية التي أخذت بأيدينا إلى السماوات بأخيلتها. فقد كنت في الحمراء غريقا في الفنون المدروسة، وخصوصا الفقه والحديث والأصول، فنسيت الشعر والخوض في بحوره، وانتقاء جواهره ودرره. إلى أن اتصل بنا الأديب الأستاذ الحسن البونعماني، فتبدلت تلك الحياة، وأعادنا إلى الحياة الأدبية[…]. إلى أن نبغ عندنا أفراد كالحسن التناني ومحمد الآسفي وإبراهيم الإلغي وآخرون زيادة على إخواننا المراكشيين الذين ينتابوننا، كمولاي أحمد النور وعبد القادر بن حسن. فتكون حولنا ناد أدبي، فابتهجنا بالحمراء وبنهضتها المباركة، فتأتى بذلك أن أراجع مناغاة ربة الشعر، وأن تصدر عني قصائد ومقطعات، بعضها مجموع في دفتر(الرميليات)»[31].

7) « هذا، وأنا أحرث خارج (الحمراء)، فيمدنا ذلك بما نترمًّق به ونتبلغ. فقد تهيأ المسكن الذي نبنيه وأشرف على التمام، بعدما لاقينا منه عرق القربة. وكنا في كل ذلك إنما نؤسس لنوطد للمستقبل أساسا يجمع بين ما أمكن من الحضارة، وبين ما نحرص عليه من بساطة البداوة. فعشنا حياة عملية علمية أدبية احترافية، تعلمية تعليمية، يعلوها شبه نظام، ونحن نسعى طاقتنا إلى النظام التام[…]. فنقنع بما تيسر من كل شيء[…]لا نتشوف لا إلى مرتبة، ولا إلى وظيفة ـ على ما نعلمه في أنفسنا، وهو الواقع الذي يعلمه كل من يخالطنا ـ ولم يكن المانع لنا عن الوظائف هو الزهد العادي فيها فحسب، أو عدم تيسرها، بل نتحاشاها عن قصد واعتقاد. فنربأ ـ والحمد لله ـ بنفسنا عن الاندماج في سلك نظام فاسد يرأسه المحتل المستعمر، ويسوسه ضد مصلحة الوطن العليا. فكان همنا أن نستطيع العيش كيفما تيسر بمعزل عنه، إلى أن يفرج الله منه. فكانت (مراكش) عندنا جنة المأوى. وإن عدوناها بسفرة فخطونا إلى (آسفي) أو (الجديدة) أو (البيضاء) أو (الرباط) أو (مكناس) أو (فاس). نلاقي من الإخوان الحضريين، ما يزيدنا غبطة بأن الحضارة منبع الحياة، ومرآة الأخلاق، ومهبط الطمأنينة، ومطلع الإخلاص والصفاء[…].

ذلك مجمل ما نحن فيه في الحاضرة، وذلك ما قيدتنا به قيودها. حتى جعلنا نحلم بها في كل حين. وأما تلك الألعاب والملاهي، وقتل الوقت في الترهات وفي السفاسف، مما تموج به المجتمعات السافلة في الحواضر. خصوصا في العهد الاستعماري الذي قتل الفضائل، وأحيا الرذائل، فإن العناية تحول دائما بيننا وبين أهلها بفضل الله وعونه. ولذلك لا نعلم من تلك الحياة شيئا»[32].

ب) حاله بعد عودته إلى البادية:

1) «ذلك ما رأيناه في (مراكش)،وأما الذي نراه في هذه القرية النائية عن العمران، والتي كان لها ما كان في زمن آبائنا رحمهم الله، فهو أنه قد تبدل فيها كل شيء عما عهدناه، فذهب الحياء، وذوى العلم والجد، وكاد الدين يضمحل بعدما كانت مأوى له، ومحط رحال طالبيه، فانطفأ الجمر وبقي الرماد. فقد عمت المنكرات، وقامت الملاهي ومجالسها مقام مجالس العلم والذكر، ولم ينج من ذلك إلا القليل من القليل. وهم ظاهرون كالشمس.

نزلت هنا ، فأول ما لاحظت أنني إن أردت أن يمكن لي أن أتكلم مع بعض أفراد ممن ألقاهم كان لا بد لي أن أمثل دور مليك ووزيره يذكران في حكاية[33].[…] فصرت أسكت أحيانا، وهو الغالب، إن رأيت إسفافا في التفكير، وأحيانا أورد ما أورد في صورة التشكيك، وأحيانا أضطر إلى المجاراة، أفعل هذا وذاك، وأنا أعذر من هم أمامي، لأن بداوتهم عي التي أملت عليهم السذاجة في التفكير، أو عدم التوسع في المعلومات. ولم أكن إلا واحدا منهم قبل أن تجلوني الحاضرة بعلومها[…].

ثم إنني نزلت هنا فارغ الجيب. حتى إنني قضيت شهرا أو أكثر ولا فلس في كيسي، حتى زارتنى نفحة بيضاوية أولا ثم حمراوية، فزارتني الحياة من جديد»[34].

2) «إن يكن الشيخ اليوسي طابت له البداوة التي وصفها بما وصف من جري ساقيتين في وسط الدار، ومن تيسر المئونة، وحضور البقولة حيث تتناولها الأيدي. وكانت الحاضرة له بمثل المثابة التي ذكرها، فإنني كما يرى القاريء على عكسه في كل ذلك، فإن كل شيء عندي في الحاضرة محتضر، وكل شيء عندي في البادية بعيد المتناول. وقد صرت كلا على إخواني ما شاء الله […]. ولكن السيدة الحضرية التي ألفت في الرميلة بمراكش ما ألفت، ثم عادت إلى حياة البادية. لا بد أن تقوم بحظها في أشغال الدار[…] حتى أجهضت يوما من كثرة الأعمال، فقمت إزاءها بالواجب، فعزلت محلي عن إخواني على حدة، فاستراحت السيدة من كل عناء، فكفتنا خادم معنا كل المؤن. ثم إننا بالإقلال أولا بقينا كذلك نحو الشهر لا نرى لحما. وهذا ما أصابنا في  هذه البادية[…]

ومجمل القول أن ما قاله اليوسي جاء كله على عكس قضيتي أنا:

ـ فما كان يحمده في مستقره في البادية التي سكنها، أو القرية التي نزلها، إن لم نرد أن نطلق عليها بادية ـ كما قال اليوسي ـ هو الذي أحمده أنا في مستقري بالحاضرة. وما يذمه في حاضرته هو الذي أذمه أنا في بادية (إلغ). ومن أمعن النظر فيما سقته من كلامه، وما حكيته عني يدرك ذلك، ويلمسه بالبنان. والإنسان خلق محتاجا، ولا يألف إلا حيث يتيسر له ما يحتاج إليه.

ـ ثم إنني أقول زيادة على ما تقدم: إن اليوسي صوفي صرف، وشيخ ممن تجاوزوا إذ ذاك الستين. فلا غرو أن يزهد فيما كان يتطلع إليه في عهد شبابه.[…]وأما أنا فإني أديب أريحي ليس لي في التصوف إلا المحبة والاعتقاد الحسن، الذي ليس معه غلو، ولا أزال في شبابي ومقتبل عمري.

ـ إن مثلي لا تليق به إلا الحضارة. ولا يصلح له إلا أن يحتذي الحضريين، وأن يجالسهم دائما. فإن منعه من ذلك مانع كما منعني، فليتصوره دائما بين عينيه. وليحرص على أن يخلد شيئا يأبهون به غدا يوم يراجعهم. فإن مثلي إن لم يتجه تلك الوجهة، فإنه سيئد نفسه وهو بعد لا يزال يمشي على الأرض

3) « بالله عليكم ما الذي يستهويني في إلغكم هذا وما الذي يلفت فيه نظري إليكم؟. فإن كان (إلغ) المذكور (إلغا) علميا إرشاديا فقد كان يوم ازدهار زاويته ومدرسته. وإذا انقضى منكم ذلك الاهتمام العلمي وألقيتم وراءكم عن رضا أو عن غير رضا كل ما يمت إلى العلم وإلى الإرشاد في الدين فقد ذهب إلغكم الذي يحمد[…].

نزلت بين ظهرانيكم، وقد اكتسبت من الحضارة اهتماما بحسن البزة، وبحسن المظهر فكنت أحرص عليهما. حتى رأيتكم تنظرون إليّ بذلك شزرا، فصرت أختار لثيابي الصناديق قبل أن أختار لها محافلكم. أمكان يضحك فيه العارون من الكاسين يستطيع قلب مثلي أن يرتاح فيه؟.

ثم بعد هذا لا يتوهمن متوهم أنني نبزت أهلي، وكشفت عن عيوبهم فإن أهلي هنا في (إلغ) هم العلماء المذكورون وحدهم[35]. وأما غيرهم الذين ألوح إليهم، ممن أقصدهم هنا من بني النسناس، فليسوا مني ولست منهم[…]»[36].

« وبعد: فهل أدركت الآن يا ابن العم ما وراء الأكمة؟ وعلمت أني لست لكم بصاحب. وأنني حضري بطبعي لا أمت إليكم ولا تمتون إليّ؟. وأطلب الله أن يردني إلى بلدي الحقيقي الذي أمضيت فيه شبابي، وتفتحت قريحتي، وامتخضت فهومي، وأبصرت عيوني. فهناك قلوب تنبض إن ذُكرْت. كما أن قلبي ينبض إن ذُكِروا. ووراء ذلك كله أنني هناك عامل وأنا هنا عاطل. فلذلك لا يصلح لي إلا ميدان العمل. فالسلام عليك يا ابن عمي وعلى كل العلماء الإلغيين الأبرار، لا على الجهال الأغمار[…] وأستغفر الله إن زلق قلم أو ظهر مني تعاظم، أو لاحت مني عورة، فما أنا إلا إنسان. والإنسان موضع الزلق. }ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا{. وآخر ما نطلبه أن لا يرد الله دعوتنا، بأن يفرج كربتنا، ويزيل غربتنا، وأن يزحزح عنا ما نحن فيه بما شاء. وأن يختار لنا ما فيه سعادة الدارين. والحمد لله رب العالمين.  آخر 1356هـ»[37]

=+=+=+=+=

مـنـاقـشـة أولـيـة:

هناك وجوه كثيرة تجعل ظروف الكاتبين وأسباب كتابة كل منهما لرسالته. منها:

ـ رسالة اليوسي موجهة إلى السلطان المولى إسماعيل، جوابا عن رسالة تلقاها منه. الأمر الذيفرض على الكاتب مراعاة ظروف المخاطب وعلو مقامه.

ـ رسالة السوسي موجهة إلى أحد أقاربه، ومقامه لا يختلف عن مقام الكاتب (السوسي).

ـ اليوسي تناول فقرات الرسالة السلطانية الواحدة تلو الأخرى.

ـ السوسي كان مطالبا بتبرير عدم رضاه عن حياته في المنفى على الرغم من أنه منفي إلى البيت الذي عرف مسقط رأسه.ولم يتهمه أحد بما اتهم به المولى إسماعيل اليوسي.

وهذه الجوانب لا تعنينا كثيرا. ولكن الذي يعنينا بالأساس المقارنة بين الرسالتين في طريقة صياغة كل منهما لرسالته، والتي نجملها فيما يلي:

1 ـ حرص الكاتبين على دعم آرائهما ومواقفهما بالحجج المناسبة من الكتاب والسنة. مما يدل على حرصهما الشديد على عدم ترك المخاطب في حيرة من أمره، ففي نظرهما ـ فيما يبدو ـ أنه بقدر ما يعزز الكاتب أقواله بالاستشهادات المناسبة، بقدر ما يبرئ ذمته، ويحمل المخاطب على الاقتناع بما أراد الكاتبان تبليغه إياه.

2 ـ اتفاقهما على ضرورة إعطاء العلماء المكانة التي الاجتماعية التي يستحقونها. ولعل ذلك ناتج عن اعتمادهما على الحديث النبوي المشهور الذي يقول فيه r } العلماء ورثة الأنبياء{. وأيضا على ما حظي به العلماء في معظم مراحل التاريخ الإسلامي من مكانة رفيعة لدى ولاة أمور المسلمين.

3 ـ نجاحهما في حسن توظيفهما للحجج التي دعما بها مواقفهما.

4 ـ تفوق السوسي على اليوسي في تعزيز مواقفه بأمثلة حية من تجارب الآخرين، سواء في إيضاح دواعي تفضيله الحاضرة على البادية، أو في إبراز اختلاف الناس في طبائعهم، وفي تأثير ذلك على ميولهم وأنواع الحياة التي يفضلونها. ولعل هذا التفوق اكتسبه السوسي من عصره الذي يختلف عن عصر اليوسي من جهة، ومن اختلاف ثقافتيهما ـ نسبيا ـ من جهة أخرى.

ـ فعصر السوسي هو العصر الذي احتك فيه المغاربة بالغربيين الحاكمين للمغرب.

ـ وهو العصر الذي قوي فيه اتصال المغاربة بالعالم الخارجي، فاستفادوا من أمور كثيرة لم تكن في متناول المغاربة في عصر اليوسي.

ـ وهو العصر الذي عانى فيه المغاربة من محن الوجود الاستعماري الأجنبي ما فرض عليهم التحلي بأخلاق وعادات وأنواع من السلوك التي لم تكن موجودة في عصر اليوسي. الأمر الذي وسع آفاق التفكير عند مثقفي عصر السوسي ، مقارنة مع عصر اليوسي.

فلعل هذه الأسباب هي التي جعلته يوظف تلك الاستشهادات المستقاة من تاريخ العالم العربي والإسلامي، ومن تاريخ العالم الغربي.

الرسالتان جديرتان بالدراسة المتأنية المتفحصة، التي يمكن أن تساعد على استنتاج أمور عديدة ذات أهمية كبرى. وهو ما لا تستطيع هذه المداخلة المقيدة بالزمان والمكان المحدودين أن تضطلع به. ونأمل أن يتاح ذلك مستقبلا لنا أو لغيرنا، والله المستعان.



[1] – بحث نشر بمجلة دفاتر البحث العدد الثاني. المجلد الثاني ص: 165 ـ 180 . شوال 1427هـ / دجنبر2006م.وهي من لإصدار جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. 

[2]  ) في الأصل: عليها. والصواب ما كتبناه.

[3]  ) دة. فاطمة خليل: ” رسائل أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي. 2/125.

[4]  ) تقع في أزيد من 100 صفحة. وتوجد في كتاب: ” رسائل أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي: 2/130 ـ 233.

[5]  ) أي إن هذه الرسالة جاءت بعد مرور حوالي قرنين ونصف على تحرير الرسالة الكبرى لليوسي.

[6]  ) محمد المختار السوسي: ” الإلغيات. 2/100. يشغل نص الرسالة الصفحات: 100 ـ 128. من هذا الجزء.

[7]  ) رسائل أبي علي الحسن اليوسي: 1/130.

[8]  ) نفسه: 1/131.

[9]  ) نفسه: 1/131.

[10]  ) نفسه: 1/132.

[11]  ) نفسه.

[12]  ) نفسه: 1/133.

[13]  ) نفسه: 1/133 ـ 134.

[14]  ) نفسه: 1/135.

[15]  ) نفسه: 1/136.

[16]  ) شغلت الصفحات: 151 ـ 157.

[17]  ) نفسه: 1/151 ـ 157.

[18]  ) نفسه: 1/233.

[19]  ) شغلت حوالي ثلث حجم الرسالة.( وتحديدا 31 صفحة من 104صفحة) من الصفحة: 160 إلى الصفحة 190. وقد سبقت الإشارة إلى أن الرسالة تغطي الصفحات: 130 ـ 234. في الجزء الأول من كتاب ” رسائل أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي”.

[20]  ) نفسه: 2/107 ـ 108.

[21]  ) من هذه الأمثلة:

            ـ قصة الصحراوي التامانارتي الذي رفض المبيت في الزاوية الإلغية قائلا: « لا أرتاح منذ أدخل القرى حتى أغادرها إلى فسيح الأرض حيث يهب علي النسيم معطرا وأسرح أبصاري في بسائط الثرى، وإن أردت نوما استلقيت على شيح أجمعه وأضع تحت رأسي  حجرا، فأنام نومة لم ينمها ملك في أي قصر من القصور» [ص: 108].

            ـ قصة الفقيه الوادنوني الذي زار مراكش وعجز عن تحمل جوها ورائحة أزقتها ومراحيضها…الخ. واضطر إلى قضاء ليلته خارج أسوارها. [ص: 108 ـ109].

            ـ  قصته في خروجه صحبة صديقيه التاجرين بمراكش: الأخوين الحاج العربي وحماد برادة، إلى أولاد دليم في ضيافة أحد أبنائها الذين سبق لهم سكنى الحاضرة، وكيف تعجب أخ المختار السوسي ـ أحمد ـ من افتتانهما بجمع الأزهار فأسر إليه قائلا: « أرأيت كيف أفعال الصبيان؟، وهل يمكن لك أن تدافع عن أهل الحضر وعن عقولهم، مع أنهم لا يستهترون إلا بما يستهتر به الصبيان الأغرار؟، فكنت أقول له في نفسي: لعلك أيها الأخ من يسدر في عقول الصبيان وأنت لا تدري، حين لا تدرك جمال الطبيعة ولا تنفعل لأزهارها». [ص: 109].

            ـ قصة رجلين من وجها سوس زارا صديقا سوسيا لهما يقيم بفاس فقدم في مأدبة «جفنة من الحلزون المطبوخ الذي لا يزال في أصونته. فقال أحد الأضياف لآخر منهم: ” كل منه وأنا أعطيك مائة ريال الآن، وتناولها من جيبه ووضعها أمامه، فقال له الآخر: لا والله، فهل تريد أن أكون ضحكة بين رجالات قبيلتي؟». [ص: 110].

            ـ قصة السائح العراقي الذي التقى به سنة 1347هـ في الرباط. «فحكى لنا حكايات مكشوفة عن ” مسقط” وعن محلات زارها، وقد طال بنا السمر مرة في ناد، فجرى ذكر أنواع الأطعمة، فسألناه عما يأكلون في بلاد العراق، فذكر الضفادع من بين ما يأكلونه، فملت إليه متقززا وكنت عليه أجرأ، فقال: مهلا. أوليس أنكم في المغرب تأكلون الجراد؟ فقلت: إنه طيب. فقال: هيء لك جرادك، ولأهيء لي ضفادعي، ثم إذا مضغ كل واحد مَضغته، ينظر ذوو الأبصار من سيسيل على عثنونه وسباله أحمر لزج كأنه قيح ممزوج بدم، والشفاه من الآكلين كأنها سروم البغال فيما وصفه ابن الرومي في تشييه الورد، فاستلقينا ضحكا، وقد غلبنا بتصويره العجيب» [ص:110].

[22]  ) نفسه: 2/111.

[23]  ) الإلغيات: 2/100 ـ 135.

[24]  ) نفسه: 2/112.

[25]  ) نفسه: 2/113 ـ 114.

[26]  ) نفسه: 2/114 ـ 115.

[27]  ) نفسه: 2/115.

[28]  ) نفسه: 2/115 ـ116.

[29]  ) هو الشيخ أبوشعيب الدكالي وكان حينئذ وزيرا للعدل (نقلا عن صديقه مولاي أحمد المنجرة رحمه الله الذي أخبرني كذلك أن والده عرض على السوسي أن يزوجه بنته).

[30]  ) نفسه: 2/118 ـ 119.

[31]  ) نفسه: 2/120.

[32] ) نفسه: 2/120 ـ 121. وقد أورد قصة أيد بها وضعيته فقال: «هنالك حكاية كنت سمعت بها عن أحد السوسيين من العلماء، حضر عنده  رجلان رجعا من (مراكش) فأخذ يسألهما عنها . فقال أحدهما: هنالك الدين والعلم. وصار يذكر له ما رآه من مجالس العلم، وامتلاء الصفوف في المساجد، ووجوه أهل الخير في كل مكان.ثم أخبره الآخر بأن تلك المدينة مباءة للفجور، ومحل ترك الدين، والجهل والمهارشة، والتكلم بفحش الكلام، وأنه ليس فيها من يبالي لا بعلم ولا بدين ولا بحياء. فقال هذا العالم السوسي:إن كل واحد من الرجلين قد صدق. وقد عبر عما يعرف ، وعما اعتاد زيارته»

[33]  ) سمع هذه الحكاية من شيخه العلامة سيدي محمد بن العربي العلوي. وملخصها : « أن ملكا ووزيره كانا حكيمين منجمين، فاطلعا بعلمهما أنه في وقت معين عندهما سينزل مطر، وأن كل من  شرب منه […] سيفقد كمية كبيرة من تعقله […] فادخرا من الماء النقي مقدار ما يكفيهما لئلا يصابا بما سيصاب به الناس. ثم لما نزل المطر وتناول منه كل الناس، صار الاختلاف يظهر بينهما وبين بقية أفراد رعيتهما. وأخذ الناس يتحدثون بأن عقل الملك والوزير ليسا كعقول الناس[…]. حتى أجمعوا على أن الملك والوزير[…] لا بد من خلعهما[…]. فلما رأى الملك والوزير ذلك، قال الملك لوزيره: لنشرب من ماء الناس ليمكن لنا معاشرة الناس» [ص: 122].

[34]  ) نفسه: 2/122 ـ 124.

[35]  ) ذكرهم في الصفحة 126. ومنهم: أخوه محمد « والأساتذة سيدي عبد الله بن محمد شيخنا والأديب سيدي محمد والأديب سيدي الطاهر والأديب سيدي المدني والأديب سيدي الحسن والأستاذ ابن العم والأستاذ سيدي بلقاسم والأستاذ سيدي موسى. فهؤلاء من اتصلت بهم واتصلوا بي. فشكرت أحوالهم وقاموا لي ببعض ما أردت»

[36]  ) نفسه: 2/134.

[37]  ) نفسه: 2/135.