مظاهر الثقافة الشعبية
في آثار الحاج المختار السوسي
أ.د محمد خليل
أستاذ باحث
يعتبر العلامة محمد المختار السوسي (1900م ـ 1963م) أحد أعلام أو رواد النهضة المغربية الحديثة، فلا يمكن الحديث عن الحركة الإصلاحية الدينية، أو عن نشوء الحركة الوطنيةالسياسية، دون أن يدرج محمد المختار السوسي في مقدمة كبار أعلامها، ونفس الشيء يقال عن انبعاث الحركة الأدبية، أو التعليمية، أو تطور وإنعاش حركة والتأليف، حيث يوجد محمد المختار السوسي حاضرا في كل هذه المجالات، ومحتلا مكانة بارزة ومتميزة في كل منها.
وانطلاقا من هذه المسلمة، يبدو أنه لا داعي إلى الإطالة في التعريف به، فهو غني عن كل تعريف، ولكن قد يكون من الضروري أو المستحسن ـ على الأقل ـ التعرف على المناخ الثقافي والفكري لعصره، وبخاصة في سنوات الثلاثين والأربعين، ـ وهي الفترة التي وضع فيها محمد المختار السوسي جميع مؤلفاته التي كتبها عن سوس ـ ، قبل محاولة إبداء مدى الاهتمام الذي نالته الثقافة الشعبية في هذه المؤلفات، وذلك من خلال العرض الذي سيتقدم به زميلي الأستاذ عبد الله درقاوي بعد قليل.
فمعلوم أن الأوضاع السياسية في المغرب لم تستقر بعد للاستعمار إلا في بداية سنوات الثلاثين، ذلك أن أجزاء مهمة من الأقاليم الجنوبية، والجنوبية الشرقيةظلت تقاوم ببسالة لصد الزحف الاستعماري الفرنسي والإسباني عن هذه المناطق، وبالتالي تحرير الأقاليم الوسطى والشمالية التي سقطت في قبضته، ولم تتوقف تلك المقاومة إلا في سنة 1934م.
وفي الوقت الذي كانت المقاومة المسلحة قائمة على أشدها في تلك المناطق،كانت الحركة الوطنية السياسية في السنوات الأولى لنشئها تنظم نفسها، وتكون هياكلها وخلاياها وخاصة في المدن الرئيسية، وكانت هذه الحركة ترى أن مقاومة الاستعمار يجب أن تنطلق أساسا من أمة متطورة فكريا، وثقافيا، وخلقيا، فكانت تطرح مطالب، أو تقوم بمبادرات لتحقيق تلك الأهداف. ولعل قصيدة قديمة لمحمد المختار السوسي تصور بما فيه الكفاية نظرة رجال هذه الحركة إلى واقع المغرب في ذلك العصر ـ ومعلوم أنه كان أحد مؤسسيها ـ. ومما ورد فيها قوله:
1 ـ حتى متى شعبي يـعـبده الـجهـل 2 ـ كأن لم يكن يوما مديرا لـتـلكم الـ 3 ـ كأن لم يكن بين الشعوب محـكـمـا 4 ـ كأن لم يكن فينا الـمرابـطي الـذي 5 ـ وأبناء عبد المومن الـطالعـون فـي 12 ـ كأن لم يكـن اقـتـدار ونـظـرة 13 ـ وأي نبوغ في اخـتـراع تمديـن 14 ـ وعزم وحزم واقـتحـام مـعامع 16 ـ أجل إننـا كـنا وكـنا وهـكـذا 17 ـ ولـكـن إذا ألـقيت يومك نظـرة 18 ـ تشاهد ما يرفضّ قـلبـك حسـرة 19 ـ لتسقط على الأرض السماوات ولتقم 20 ـ فقد ضاق بالشعب الجهول خنـاقـه 21 ـ فهلك يريح البال أول مـن ان ترى |
|
كأن لم يكن قطب السيادة من قـبل ـمماليك يحمي ما يشاء ويحـتـل إذا قال يحني الرأس من رأسه يعلو به تم الاستعلاء للشعب والطـول سما الأرك شوسا لا ينهنههم صول مسددة تـرمي الصعـاب فتنحـل يدعمها الدين المطهـر والـعـدل يمهدها الكون المثـقف والـنصل يقول لسان العلم من قـوله الـقول فكم لوعة تذكو وكم زفـرة تعـلو عليه ويستذري الدموع فـتـنهـل قيامة شعبي فالهلاك ولا الـجـهل وقد ساء محياه وقد طفـح الـكيل ملايين سبعا لا شعور ولا عـقل[1] |
وهكذا انطلقت الحركة الوطنية تدعو إلى الإصلاح الديني والخلقي، ومحاربة التخلف الفكري والثقافي،فتشجع على إنشاء مدارس عصريةحرة، وتطالب بإصلاح اقتصادي واجتماعي، من شأنه أن يحد من هيمنة الأوروبيين على المرافق الرئيسيةفي التجارة والصناعة والفلاحة، ومن تسخير المرافق الاجتماعية لفائدتهم، وحرمان المواطنين منها، من : تعليم وصحة وعمران، وغير ذلك.
وإذا كان ليس من شأننا في هذا الحديث أن نتتبع تاريخ الحركة الوطنية، سياسية كانت أم عسكرية. إلا أن الذي يهمنا منها هو الإشارة إلى أنه انطلاقا من بداية الربع الثاني من هذا القرن بدأ المغرب يأخذ بنصيب من معالم التطور الحضاري الحديث، وخاصة من الناحية الثقافية والأدبية، حيث ظهرت الصحف من جرائد ومجلات، وصارت تروج مقالات وأبحاثا في مختلف مجالاتالمعرفة، وظهرت حركة تأليف الكتب بصفة خاصة حول تاريخ المغرب وحضارته، فاشتهر من بين المؤلفين عدد لا بأس به، أمثال:
1 ـ محمد المختار السوسي (1900/1963م.). صاحب المؤلفات المشهورة عم تاريخ سوس العلمي، والفكري، والسياسي، والاجتماعي.
2 ـ عباس بن إبراهيم السمـلالي الـمـراكشي (1901/1959م.). صاحب ” الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام “.
3 ـ عبد الرحمان بن زيدان (1873/1946/.). صاحب: ” إتحاف أعلام الناس بأخبار رجال حاضرة مكناس “.
4 ـ محمد بوجندار (1889/1926م.). صاحب: ” الاغتباط بتراجم الرباط “
5 ـ محمد الكانوني (1893/1938م.). صاحب: ” آسفي وما إليه قديما وحديثا “.
6 ـ محمد داوود (؟ / حي)[2]. صاحب: ” تاريخ تـطـوان “.
7 ـ عبد الله كنون ( 1908/ حي).[3] صاحب: ” النبوغ المغري في الأدب العربي “.
ولنا أن نتساءل عن نصيب الثقافة الشعبية المغربية في هذه المؤلفات التي ألفت في العصر الذي تصدى فيه محمد المختار السوسي للتأليف ؟
إلا أن الجواب ليس ـ مع الأسف ـ إيجابيا.فهذه الثقافة لم تكن آنذاك تحظى بأي اهتمام لدى المثقفين بصفة عامة، ولدى المؤلفين بصفة خاصة، إذ كانت عقلية المثقفين العرب في القرون الوسطى ما تزال مسيطرة على أفكارهمـ تلك العقلية التي كانت ترى في الانشغال بهذه الثقافة حطا من مكانة العالم أو المثقف، وانتقاصا من درجته العلمية، اللهم إلا ما كان من نتف عابرة ، تتجلى في إشارة بعض هذه المؤلفات إلى فن الموشح أو إلى فن الزجل الناطق بالعربية المغربية الدارجة[4].
ولا بأس هنا من الإشارة إلى أن الباحثين الأجانب أولوا الثقافة الشعبية المغربية أهمية كبرى، وذلك لأهداف ونوايا لم تكن دائما حسنة وموضوعية وعلمية.
فهل أثرت تلك العقلية التي كانت سائدة في أوساط المؤلفين المغاربة على محمد المختار السوسي؟
أستطيع أن أجيب بالنفي! .
فإذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي كانت سائدة حينئذ: من احتلال أجنبي، ومقاومة لذلك الاحتلال، وطغيان مفهوم معين ومحدود للثقافة على الساحة.
إذا أخذنا كل هذه الظروف بعين الاعتبار، ووقفنا على ما كتبه صاحبنا في مؤلفاته ـ شرحا أو إيضاحا حينا، وإشارة أو تلويحا حينا آخر ـ فإننا نستطيع أن نجعله ـ بكل تجرد، وبكل موضوعية ـ رائدا في هذا الميدان، ومعنى ذلك: أنه إذا كان يوصف بالسلفي المصلح، وبالمؤرخ المقتدر، وبالمدرس المجدد، وبالصوفي المتحرر، وبمؤسس الحركة الوطنية السياسية، فيجب أن يوصف كذلك بباحث كبير في الثقافة الشعبية. وعلى سبيل المثال، أشير إلى أنه جمع 1500مثل من الأمثال الأمازيغية السوسية.وقد أشار إلى ذلك بقوله: » حرصت على جمع الأمثال الإلغية من قديم في كراسة استوفت زهاء ثلاثمائة، ثم أخذها مني الكولونيل المستشلح (جوستينار) ففرنسها ونشرها في بعض المجلات الفرنسية، ثم رجعت كرة أخرى ونحن في معتقل (أغبالو نكردوس) فأمليتها على الوزير الكبير أخي سيدي محمد الفاسي، فجمع منها عني ألفا وخمسين ما بين منثور ومنظوم« [5]. وفي لقائي مع الأستاذ محمد الفاسي أكد لي أن ما رواه عنه من الأمثال الأمازيغية السوسية يبلغ ألفا وخمسمائة مثل، توجد كلها في كتابه المخطوط الذي وضعه عن الأمثال المغربية[6]. ووضع مؤلفا حول العادات الإلغية، وقد قال عنه: » مجموعة نفيسة فيما نرى يعرف بها القاريءكيف كيف عادات تلك الجهة التي فيها ” إلغ ” في مجالسهم، ومآتمهم، وملاعبهم، وكيف لباسهم، وطبخهم، وما يفعلونه في أيام من السنة، كعاشوراء، واليوم الأول من يناير، والأعياد، والحصاد، والدرس والحرث ،إلى أمثال ذلك«[7].ووضع بحثا مطولا في مقارنة الأمازيغية بالعربية، أسماه: ” الألفاظ العربية في الشلحية ” وتحدث عنه بقوله: » جمعنا في ذلك ما شاء الله، ولا يزال ينقصه الترتيب على حروف المعجم على ما نريده، فيسر الله ذلك«[8]. كما تحدث في أكثر من مؤلف عن العادات، ووصف العمران، ودون الأعراف، إلى غير ذلك.
واهتمامه هذا نابع من حسه التاريخي، ومن مفهومه للكتابة التاريخية، ذلك المفهوم الذي شرحه بالخصوص في مقدمة كل من “سوس العالمة” و “المعسـول”.
يقول في سوس العالمة: » في المغرب حواضر وبواد، وتاريخه العلمي العام، لا يمكن أن يتكون تكونا تاما إلا من التواريخ الخاصة لكل حاضرة من تلك الحواضر، ولكل بادية من هذه البوادي. فإذا كانت بعض الحواضر فازت بما يلقي على تاريخها العلمي بعض الضوء ينير الطريق للسالكين، فإن تلك البوادي المترامية لا تزال داجية الآفاق في أنظار المتطلعين الباحثين […] أفيمكن أن يتكون التاريخ العام للمغرب تاما غدا، إذا لم يقم أبناء اليوم ـ والعهد لا يزال قريبا، ولما تغمرنا أمواج هذه الحضارة الغربية الجارفة التي تحاول منذ الآن حتى إفساد ماضينا، بما يكتبه بعض المغرضين من أهلها ـ بجمع كل ما يمكن جمعه، وتنسيق ما لا يزال مبعثرا بين الآثار، ومنتشرا أثناء المسامرات فإنه لو قام من كل ناحية رجال باحثون ببذل الجهود، لتكونت بما سيهيؤونه من التاريخ الخاص لكل ناحية، مراجع عظيمة سيتكيء عليها الذين سيتصدرون للتاريخ العام المستوعب في العلم العربي المغربي غدا، بله الحوادث والأطوار المتقلبة […].
وبعد فإن تاريخنا لم يكتب بعد كما ينبغي، حتى في الحواضر التي كتب عنها كثيرون قديما وحديثا […], فليسمع صوت هذا السوسي كل جوانب المغرب من أعظم حاضرة إلى أصغر بادية، فلعل من يصيخون يندفعون إلى الميدان، فنرى لكل ناحية سجلا يضبط حوادثها، ويعرف برجالها، ويستقصي عاداتها، فيكون ذلك أدعى إلى وضع الأسس العامة أمام من سيبحثون في المغرب العام غدا على منضد التاريخ المغربي العام.
ثم أقول لأخواننا السوسيين من الشباب، لا تظنوا أنني في كل ما سودته مما كتبته في مختلف تلك الأجزاء الخمسين مما خصص بالرجال، أو بالحوادث، أو بالرحلات، أديت عشر المعشار من الواجب عن سوسهم، فإنني ما عدوت أن جمعت ما تيسر جمعا بسيطا كيفما اتفق «[9].
ويقول في ” المعسول ” مقارنا بين حالة المغرب في الأمس والغد، مشيرا إلىالأسباب التي جعلته يعتكف على جمع مادته وترتيبها، معتذرا عما من شأنه أن يعتبره بعض القراء تافها. شارحا الأسباب التي جعلته مقتنعا بإدراج ذلك كله في تلك المجلدات الضخمة:
» أمس كان الدين ومثله العليا، والتخلق به، والتحاكم إليه، والحرص على علومه، واحترام حملته هو المعروف المجمع عليه […].
أمس كانت عندنا تقاليد محترمة في اللباس، وفي اختيار التأثيث، وفي هيأة الملابس، وفي إقامة الحفلات، وفي مزاولة العمال،فتكونت لنا هيأة اجتماعية توافقنا لأنها متسلسلة عن الأجداد […].
وفي هذا اليوم دهم علينا الاستعمار بخيله ورجله. بلونه وفكره. بسياسته ومكره. بحضارته المشعة. بعلومه الحيوية المادية. بنظامه العجيب.لمعامله المنتجة السريعة. بكل شيء يمت إلى الحياة الواقعية, فوقع لنا كما وقع لأصحاب الكهف يوم رجعوا إلى الحياة، فوجدوا كل ما يعرفونه قد تغير تغيرا تاما […].
نحن نؤمن أنه سيأتي يوم يثور فيه أولادنا وأحفادنا ثورة عنيفة ضد كل ما لا يمت إلى غير ما لآبائهم من النافع المحمود، ثم يحاولون مراجعة تاريخهم، ليستقوا منه كل ما في إمكانهم استدراكه. فلهؤلاء يجب على من وفقه الله من أبناء اليوم أن يسعى في إيجاد المواد الخام لهم في كل ناحية من النواحي التي تندثر بين أعيننا اليوم. وما ذلك إلا بإيجاد مراجع للتاريخ، يسجل عن أمس كل ما يمكن من الأخبار، والعادات، والأعمال، والمحافظة على المثل العليا، بل يسجل فيه كل ما كان ولو الخرافات أو ما يشبه الخرافات، فإن منهم من سيأتون في الغد سيلتهم كل ما يقدم إليه كيفما كان ليستنتج منه ما يريد أن يعرفه عن ماضي أجداده. وهذا أحد مغازي هذا الكتاب […].
هذا وقد يجد القارئ من أبناء اليوم مما أكتبه ما يعده من سقط المتاع،ومما لا ينبغي أن يهتم به مما يعده عند نفسه في ذوقه من الخرافات، ولكن لا ينسين أنني مؤرخ، وقلم المؤرخ الجماعة كعدسة المصور، تلتقط كل ما أمامها حتى ما تقذى به الأعين. فكما تلتقط الإشعاعات الساطعة، تلتقط الظلال القاتمة. فإن لم يكن قلم يجمع للتاريخ كذلك، فإنه قلم التضليل والمسخ للحقائق، لأن واجب المؤرخ أن ينقل قارئه بوساطة يراعته إلى الذي يتحدث عنه كأنه يشاهد عيانا […]. فليعلم المطالع لهذا الكتاب […] بأنه […] سيكون كالداخل إلى السوق التي تجمع كل شيء، فليأخذ ما يعجبه، وليعرض عما لا يعجبه… «[10]
فما هي مؤلفاته عن سوس؟. وما هي الظروف التي أحاطت به وهو يدون أصول هذه المؤلفات؟.
لقد استمعنا إلى أقوال المؤلف وهو يشرح الأسباب التي جعلته يسترخص كل شيء من أجل أداء رسالته هذه، التي أداها في ظروف كانت في منتهى القساوة:
1 ـ فقد كان منفيا من قبل الاستعمار إلى مسقط رأسه بقرية ” دوﮔادير ” بـ” إلغ “. وفرضت عليه قيود مشددة لمدة خمس سنوات، منع خلالها من الاتصال بعامة الناس، ومن مغادرة بيته مهما كانت الظروف. وفي الوقت نفسه كان المراقب الفرنسي بـ” تافراوت ” يستقدمه إليه ، أو يأتي عنده في بيته لاستنطاقه،أو تهديده، أو عرض بعض المغريات عليه، التي من شأنها أن تزحزحه عن موقفه الوطني السياسي الثابت.
وبعد ذلك، سمح له بحرية التنقل داخل إقليم سوس، ودامت هذه الفترة أربع سنوات. مما أتاح التمكن من استكمال المعلومات المتعلقة بمؤلفاته التي كان يحررها في وقت واحد.
2 ـ صادفت مرحلة نفيه هذه ( 1937 ـ 1946م.) مرحلة قيام الحرب العالمية الثانية، فأضاف المؤلف إلى مرارة النفي ومتاعبه، ما لحق الناس جميعا من الظروف الاقتصادية والاجتماعية لهذه المرحلة. فعانى من شظف العيش وقلة الملبس الشيء الكثير.
3 ـ كان البيت الذي أقام به طيلة سنوات المنفى التسع متواضعا جدا، انعدمت فيه الوسائل التي من شأنها أن تبعث على النشاط، فالفراش عبارة عن حصير،ربما يضيف فوقه بساطا صوفيا متواضعا جدا… والإضاءة تكون بنور الشمعة أو قنديل الزيت، مستعينا بزوجته التي كانت تتولى مسك المصباح وتقريبه إليه من ورقة الكتابة إلى أكبر قدر ممكن، خاصة وأنه كان يعاني م نضعف غير قليل في بره.
4 ـ حينما رخصت له سلطات الحماية بالتحرك داخل سوس، صار يقطع الفيافي والجبال ممتطيا الدابة مع رفيقا حينا، ومنفردا حينا آخر. وبلغ عدد رحلاته تلك أربع رحلات:
أ ـ استغرقت الرحلة الأولى 29 يوما( 1 ـ 29 ربيع الثاني 1361هـ / أبريل ـ ماي 1942.)
ب ـ استغرقت الرحلة الثانية 23 يوما (9 شوال ـ 1 ذي القعدة 1361 هـ/ أكتوبر 1942م.).
ج ـ استغرقت الرحلة الثالثة 52 يوما (1 شوال ـ 22 ذي القعدة 1362 هـ / فاتح نونبر ـ 22 دجنبر 1943م.).
د ـ استغرقت الرحلة الرابعة ثلاثة أشهر وسبعة أيام ( 3 شوال 1363 ـ 9 محرم 1364هـ / شتنبر ـ دجنبر 1944م.).
نتج عن هذا الجهد المضني وضع عشرا المجلدات عن سوس استعرضها عليكم فيما يلي:
1 ـ المؤلفات التي تمكن من طبعها قبل وفاته:
1 ـ سوس العالمة: في جزء واحد.
2 ـ الإلغيات: في ثلاثة أجزاء.
3 ـ خلال جزولة: في أربعة أجزاء.
4 ـ الـمعسـول: في عشرين جزءا.
5 ـ منية المتطلعين إلى من في الزاوية الإلغية من الفقراء المنقطعين: في جزء واحد.
6 ـ الترياق المداوي في أخبار الشيخ سيد الحاج علي الدرقاوي: في جزء واحد.
7 ـ أصفى الموارد في تهذيب رحلة الشيخ الوالد: في جزء واحد.
8 ـ من أفواه الرجال: في عشرة أجزاء، طبع منها ثلاثة.
9 ـ إيليغ قديما وحديثا: في جزء واحد، صدر بعد وفاته بحوالي سنة.
وهكذا بلغ عدد المجلدات المطبوعة من آثاره السوسية: 35 جزءا.
2 ـ أما المؤلفات التي لم تر النور بعد فهي:
1 ـ جول الفرا: في ثلاثة أجزاء.
2 ـ مترعات الكؤوس في بعض آثار من أدباء سوس: في جزأين.
3 ـ طاقة ريحان من روضة الأفنان: في جزء واحد[11].
4 ـ قطائف اللطائف: في جزء واحد.
5 ـ من مراكش إلى إلغ: في جزء واحد[12].
6 ـ مجموعة في العادات الإلغية: في جزء واحد.
7 ـ الرؤساء السوسيون: في جزء واحد.
8 ـ رجالات العلم العربي في سوس: في جزء واحد[13].
9 ـ عقود العقيان في إجازة الإخوان: في جزء واحد.
10 ـ مشيخة الإلغيين من الحواضر: في جزأين.
11 ـ أسانيد وإجازات سوسية: في جزء واحد.
12 ـ مدن سوس المندثرة والموجودة: في جزء واحد.
13 ـ محاضرات في الثوار السوسيين: في جزء واحد.
14 ـ مجموعة من أنساب السوسيين: في جزء واحد.
15 ـ مدارس سوس والعلماء الذين درسوا فيها: في جزء واحد.
16 ـ مجموعة فقهية في فتاوى السوسيين المتأخرين: جزء واحد[14].
17 ـ الصالحون المتبرك بهم من سوس أخيرا: في جزء واحد.
وبذلك يبلغ مجموع أجزاء آثاره السوسية ـ المطبوع منها والمخطوط ـ 73جزءا، تندرج تحت 23 عنوانا.
وقبل أن أعطي الكلمة إلى زميلي الأخ عبد الله درقاوي، أشير إلى أن صاحبنا لم يكن مؤلفا في الثقافة الشعبية فحسب، بل إن شعره العربي الفصيح لم يكن يبعد عن هذا لجانب، فموضوع / غرض الوصف عنده نجد فيه وصف أكلات ومشروبات شعبية، وأقتصر في هذا على الإشارة إلى قصيدة بارعة في وصف الأكلة الشعبية البدوية المغربية: ” العصيدة “، وتتألف من 73 بيتا، وقصيدتين متوسطتين إحداهما في وصف ” أملو ” وأخرى في وصف ” أتاي “. له قصيدة طويلة في 140 بيتا خصص فيها حيزا مهما لوصف مجموعة من ألعاب الصبيان في ” إلـغ “.
أسوق هنا مقتطفات من وصف أكلة ” العصيدة “، ومن ألعاب الصبيان.
يقول في وصف ” العصيدة “[15]:
1 ـ لمـن جفنـة قـد أقبـلت تتـألـق 4 ـ أهذا أريج مسـك أم نغمة روضـة 5 ـ نعم إنهـا من غير شـك عصيـدة 6 ـ وعهـدي بأنفي ليس يغلـط شمـه 7 ـ ألم ـترها كـالثغـر أشنب باسـما 8 ـ تميس بلون الثـلج أبـيض ناصـعا 9 ـ لها قمة في وسطها حـوض زبـدة 20 ـ دلـفت إليهـا والعـيون كـأنـها 21 ـ حللت لها طوقي وزحزحت معطفي 22 ـ فـأغسـل حـتى مرفـقيّ فربـما 68 ـ فإن يطعم الفـالوذج الحـلو فتيـة 69 ـ فإني بحمد الله عـنـدي عصيـدة 70 ـ فقد برئت من كل زور ولم يطـف 71 ـ فجاءت بما لم يأت فيما أتى به الـ 72 ـ أدام لنا الله العـصيدة مـا غـدت 73 ـ وما سالت الأرياق إن عنّ ذكرهـا |
|
تـلوح بـلألأ العصيـدة يـبرق؟ أزاهيرهـا تحت الصبا تـتفـتق من الذرة المعطار إن كنت أنشـق فيا طالـما شـم البعـيد فيصـدق وللشـنب الـبراق فـيه تـألـق متى جال فيها لحظ غرثان يشهـق (كجابية الشيخ العراقي تفـهـق) نطاق حوالي ركبـتي تـحملـق وألقيت عني مـا بـه أتمـنطـق ستعمل أيضا مـعصماي ومرفـق وبسطيلة جمـاعـة مـا يـفـرق من الذرة الـغـراء أولى وأوفـق على وجهـها الوضاء طاه يـزوق ـمقنع فيما قـالـه والـمحـلـق مصارين بطن الـجائعـين تنقنق وطاف حواليها ثنـاء مـخلــق |
ويقول في وصف ألعاب أيام الطفولة[16]:
9 ـ ويـوم الصبا يوم ضحـوك كأنـما 10 ـ نهاري حبور ثم إن زرت مضجعي 11 ـ فـليلي هـناء والنـهـار سعـادة 20 ـ ألاعب أتـرابي فنغـدو إلى المسا 21 ـ نظل عـلى كـر وفـر كـأنـما 22 ـ على قصـبات شقـقت جنـباتـها 26 ـ نحاول تنظيما وسرعان ما نرى انـ 27 ـ وأفضل يوم عندنـا يـوم نغتـدي 28 ـ وقد أعصرت ريح التفاقـم بـيننا 29 ـ وصرح بين القـريتين تـضـارب 30 ـ وفرقع في الميدان (إلد) وصوتـت 44 ـ نروح جميـعا بالوئـام أقـاربـا 45 ـ إلى لعبة أخـرى فـنفتح بـابـها 46 ـ فحينا إلى (الأسداء) نمضي وتـارة 47 ـ وطورا إلى (شلوك) أفـضل لعبـة 48 ـ وآونـة نـغدو إلى الاخـتبا فـإن |
|
تـغازل صبا سـافرات الكـواعب فأطيب بحلـم مستـلذ الـمشـارب وعيشي طليـق الوجه عذب المشانب وما إن درينا كـيف مـس المتاعب تلاطم ميدان الـوغى بالـكتـائـب ولكنها مـن تـحتـنا كـالشـوازب ـتثارا كـوهي العـقد فوق الترائب حفاة بجري الـمذكـيات السـراحب وأقبلت الصبـيان من كـل جـانب فدارت رحى الهيـجاء بيـن المقانب (تزبا) وخاض الـحرب كل محارب وإن لم نكن في أهـلنـا بـالأقارب جديدا بشوق الـصب نـحو الحبائب لنحو (ضاما) نثني زمـام الـركائب لنا حيث يدمي القرص كف الملاعب نفتش نـفزع في الـمخابي بضاغب |
ورد في هذا المقطع ذكر ثلاث لعب صبيانية أمازيغية ، وقد شرحها الشاعر في هامش قصيدته كما يلي:
ـ” إلْــدْ ” و ” تِـزِبّـا ” : نوعان من المقالع، يصنعان من الحلفا، وترمى بهما الأحجار، وبهما يقع التضارب بين الصبيان.
ـ ” شلوك ” :لعبة بالحصى يقرص ظهر كف من غلب فيها.
كما ورد ذكر لعبة ” ضاما ” وهي لعبة معروفة بهذا الاسم عند جميع المغاربة، وتشبع لعبة ” الشطرنج “.
تعتبر هذه الكلمة مقدمة للعرض المفصل الذي سيتولى زميلي الأستاذ عبد الله درقاوي تقديمه الآن، وسنتعرف من خلاله أمثلة حية للكتابة عن الثقافة الشعبية في مواضع عديدة من مؤلفات العلامة محمد المختار السوسي رحمه الله.
****
تناول الأستاذ درقاوي بتفصيل ما يلي:
ـ عادات فلاحية: ( الحرث ـ الحصاد ـ الدرس ـ الري…الخ).
ـ عادات دورة الحياة: (الزواج ـ الولادة ـ العقيقة ـ الختان…).
ـ العادات فبي المواسم.
ـ العادات في الأعياد: ( عاشوراء ـ المولدية النبوي…).
ـ أطعمة شعبية: ( تاﮔلة ـ أوركيمن ـ بوفي ـ أملو ـ الكسكس ـ أزكيف
أنواع الخبز…).
ـ بعض الممارسات الكهنوتية: ( أنوال يناير ـ الشعرة المشؤومة ـ
السحر…).
ـ الحرف والصناعات الشعبية.
ـ الألعاب الإلغية: للصبيان والكبار ( ذكر منها أربعة عشر نوعا ).
ـ الأمثال والنوادر.
ـ الأدوية الشعبية.
ـ بعض القوانين الجماعية [ الأعراف الأمازيغية السوسية ].·
[1] ) محمد بن العباس القباج: ” الأدب العربي في المغرب الأقصى: 2/64 ـ 65.
[2] ) توفي رحمه الله في أواخر سنوات الثمانين من القرن العشرين.
[3] ) توفي رحمه الله سنة 1989م.
[4] ) نجد مثلا في ” تاريخ تطوان ” نصوصا من الموشحات، ونجد في كتابات محمد الفاسي نصوصا زجلية.
[5] ) المعسـول:1/59.
[6] ) لعل الأستاذ الفاسي كرر لقاءاته مع السوسي خلال مقامهما في الرباط في عهد الاستقلال، فاستكمل روايته لهذه الأمثال حتى وصل عددها إلى 1500 مثل.
[7] ) محمد المختار السوسي: ” المؤلفون السوسيون ” كتاب مخطوط. يوجد في حوزة ورثته.
[8] ) ” المؤلفون السوسيون ” ـ مصدر سابق ـ وذكر في كتابه ” إيليغ قديما وحديثا ” ص.263. الهامش 527 أنه أحصى من هذه الألفاظ أثر من 6000 لفظة.
[9] ) مقدمة كتاب: ” سوس العالمة ” .
[10] ) مقدمة ” المعسـول “: 1/ ب.ز.
[11] ) طبعه ورثته بمطبعة الساحل بالرباط سنة 1404هـ / 1984م.
[12] ) هيأه للطبع ابن أخيه الأستاذ المرحوم عبد الله درقاوي، بيد أن المنية وافته سنة 2002م. قبل دفعه للطبع.
[13] ) طبعه ورثته سنة
[14] ) طبعته كلية الشريعة بأﮔادير بتحقيق ابن أخيه الأستاذ عبد الله درقاوي رحمه الله.
[15] ) المعســول: 1/48 ـ 50
[16] = المعســول: 1/15 ـ 23
- · ) هذا الموضوع ، شاركت به صحبة الزميل الأستاذ عبد الله درقاوي ـ رحمه الله ـ في الدورة الأولى لجمعية الجامعة الصيفية بأﮔادير التي نظمت من 18 إلى 30 غشت 1980م. ونشرت ضمن الكتاب الذي يحمل عنوان ” أعمال الدورة الأولى لجمعية الجامعة الصيفية بأﮔادير ” ص 53/79 . بيد أنه شابته أخطاء مطبعية كثيرة، شوهت معظم فقراته.