من منطقة صعبة مناخيا و جغرافيا تعلم الصبر و التحمل، مزيج من صوفية الزاوية الدرقاوية و الطريقة الناصرية، بعصامية اليتم، و جلادة الأطلس، انبثقت ثمرات فكر دافع بوطنية ثقافية عن بلده ليخرج سوس إلى عالم الحرف تاريخا. انه العالم المغربي محمد المختار بن علي بن أحمد السوسي الإلغي.
توفي والده الحاج علي شيخ الزاوية الدرقاوي ليتركهم لمتاهات اليتم ليُخلص لأصله منصهرا في بحور العلم.
حفظ القران عن أمه العالمة و الحافظة رقية بنت العلامة محمد بن العربي الازودي لينطلق من مدرستها إلى المساجد القرآنية حافظا و شغوفا و باحثا بين دواة الحبر و اللوح عن خط يوصله إلى المدارس، ليقرا بمدرسة اغشان متنقلا إلى تنكرت بافران بالأطلس الصغير بكلميم و المدرسة البونعمانية بتزنيت.
لم تطفأ المدارس عطشه بل زادت من تلهفه إلى التعلم و التفكر قاطعا حدود سوس إلى مراكش السلطانية لاستكمال دروسه في مدينة كانت موقع استقطاب على جميع المستويات ليلج إلى جامعة بن يوسف التي تعتبر من اعرق الجامعات التي درس بها ابن رشد و من قبله ابن طفيل و ابن البناء في فترة تاريخية كان بها طلبة الطب لا يقلون عن 50 طالبا.
تنامت علاقة المختار السوسي بمراكش علما، معرفة و حكمة، إلا أن شغفه بالمزيد جعله يحزم أمتعته لطلب العلم بفاس.
عرفت فاس ساعتها بعلوم لا تتوفر بمراكش كالمنطق و الخلاف العلمي، هناك احتك السوسي بالمجتمع الفاسي و أصبح جزءا من الحركة الوطنية مفضلا بعدها الثقافي لا سياسي. اسس السوسي رفقة أصدقائه مدرسة نموذجية في فاس بالزاوية الناصرية لترويج للفكر الوطني مما حدا بالمستعمر لإغلاقها.و يقول المختار في هذا الصدد ” في فاس استبدلت فكرا بفكر فتكون لي مبدأ عصري على آخر طراز ، فقد ارتكز على العلم والدين ، والسنة القويمة … وكنت أصاحب كل المفكرين إذ ذاك وكانوا نخبة في العفة والعلم والدين ، ينظرون إلى بعيد ” (الإلغيات 2/225)
لم يستطع المختار السوسي بعدها العودة الى سوس زمنيا لما وجده من فراق بين الحواضر و البدواي ليقرر العودة مرة أخرى إلى مراكش رغبة في التعليم و الإصلاح . اقتطع جزءا من زاوية والده بالرميلة ممتهنا التعليم التطوعي. فشاع صيته في مراكش و يتهافت عليه الطلبة من كل الأرجاء مقدما بديلا عن المناهج الدراسية التي قدها المستعمر موليا اهتمامه إلى تعليم اللغة العربية و القران و التاريخ المغربي و السيرة النبوية و علوم الحديث و الفقه. مستغلا إقامته في مراكش لتأليف كتابه التاريخي الأول بعنوان ” مراكش في عصرها الذهبي” .
نفي السوسي عام 1355 إلى مسقط رأسه ممنوعا من الاتصال مع الناس ليجد ضالته في الانعكاف على تأليف مجموعة من الكتب مدونا تاريخ منطقته واضعا سوس تحت المجهر .
في سنة 1364 رفع الحصار على المختار ليسافر مرة أخرى إلى مراكش، مستأنفا نشاطه التعليمي و التربوي بزاوية الرميلة نافخا الروح في النشاط السياسي بمراكش ليتزعم بعض طلبته صفوف الحركة الوطنية مطالبين بالحرية .
لما اشتد لهيب مراكش باحداثها انتقل المختار إلى الدار البيضاء عام 1370 ليباشر عمله إلا انه قبض عليه و نفي إلى الصحراء الشرقية مع طائفة من زعماء الحركة الوطنية والسياسيين الوطنيين حيث قضوا حوالي سنتين مؤلفا كتاب ” معتقل الصحراء ”.
لما حصل المغرب على استقلاله عاد المختار السوسي إلى الرباط ليتم تعيينه وزيرا للأوقاف في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال ثم وزيرا في مجلس التاج و قاضيا شرعيا للقصور الملكية .
وفاته سنة 1383 عقب مضاعفات ناتجة عن إصابته في حادثة سير وفي هذه المرحلة صرف جهده وهمته إلى إخراج مؤلفاته وكأنما كان يسابق الأجل .
نقلا عن موقع بلادْنا-لمياء الخلوفي
http://bledna.com/2014/04/10/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84/